هل كانت استقالة أحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء التركي، مفاجئة يوم الخميس الماضي؟ ليس معروفًا حتى الآن ما إذا كان استقال من تلقاء نفسه، أو أن الرئيس رجب طيب إردوغان طلب منه ذلك.
الأكثر ترشيحًا لتولي رئاسة الحكومة هما وزير الطاقة بيرات البيرق (صهر إردوغان) أو وزير المواصلات بينالي يلديريم، وهو سياسي جيد ويتمتع بشعبية.
هل كان الخلاف بين إردوغان وأوغلو متوقعًا؟
بعض المراقبين كانوا يتوقعون ذلك؛ بسبب التطورات الأخيرة؛ إذ كان أوغلو يدير المفاوضات مع أوروبا، وكانت الولايات المتحدة ترتاح لطرح الأمور عليه. أما إردوغان فكان عيَّن أوغلو رئيسًا لكل من الحزب والحكومة عام 2014؛ بسبب ولائه لأهداف إردوغان: تغيير الدستور، وتقوية سلطات الرئيس، لكن في الأشهر الأخيرة صرنا نلاحظ بروز أوغلو على الصعيدين الأوروبي والدولي إلى درجة أنه صار يشكل خطرًا سياسيًا على إردوغان.
وكان هذا الخلاف سيحصل أيضًا من دون شك، فالاتفاق بين تركيا وأوروبا كان فرصة لتركيا لإعادة تقويم علاقاتها مع بروكسل بطريقة أفضل، بحيث تبدو أنقرة صاحبة اليد العليا، فهي منذ الصيف الماضي ومع تدفق اللاجئين إلى أوروبا شعرت بأنها تمتلك ورقة مناورة قوية. تركيا دولة ذات سيادة، وبالتالي تتحكم في حدودها، ومع هذا نشط التهريب غير الشرعي، فقال البعض إن أنقرة وراء ذلك، أو كانت تستطيع أن تفعل أكثر لضبط المهربين بين تركيا واليونان.
قبل أحداث الصيف الماضي شعرت بإحباط من أوروبا؛ إذ كانت تستضيف ملايين اللاجئين، وكانت تبلغ المجموعة الأوروبية أنها لا تستطيع تحمل المسؤولية وحدها. الحكومات الأوروبية لم تتجاوب، فملأ اللاجئون أوروبا، وقال أصحاب نظريات المؤامرة، وإن كان في ذلك جزء من الحقيقة، إن تركيا شجعت على ذلك، فوضعها الجغرافي مناسب كونها البوابة لأوروبا، إن كان من ناحية أنابيب النفط من قزوين إلى أوروبا، التي يجب أن تمر عبرها، أو من خلال حركة الناس. ثم إن تركيا كانت ترى أنها تستطيع إغلاق كل المخيمات، ودمج اللاجئين بالشعب التركي عبر الاستفادة من أموال الاقتصاد الدولي، كما فعلت مع أكراد العراق عام 1991 عندما عبر أكثر من مليون كردي إلى أراضيها.
القرار بتشجيع اللاجئين على العبور نحو أوروبا على أساس أن ذلك يقوي أنقرة سياسيا في وجه أوروبا، كان من أسباب اختلاف الآراء بين إردوغان وأوغلو.
يشبّه البعض أوغلو بـ«هنري كيسنجر» مصغر. فهو أهم دبلوماسي تركي، مفكر، كان أستاذا في عدة جامعات في ماليزيا، وله مؤلفات عدة، ومحترم من الغرب، وهو يستفيد من هذا كله، وكونه أصبح شخصية سياسية مطلوبة دوليًا في وقت تتدهور أسهم إردوغان، جعل الأخير يشعر بقلق.
شبه البعض علاقة الاثنين بعلاقة فلاديمير بوتين الرئيس الروسي بديمتري ميدفيديف رئيس وزرائه، لكن هذه المقارنة غير ملائمة، فبوتين هو من صنع ميدفيديف، في حين أن أوغلو كان شخصية مميزة بحد ذاتها، ولو كان أميركيًا فهناك احتمال أن تلجأ إليه شخصية مثل المرشح دونالد ترامب ليكون مستشاره في الشؤون الخارجية، كما يقول الدكتور مارات ترتيروف مدير «نادي بروكسل للطاقة» والخبير في الشؤون التركية والروسية، ويضيف: أوغلو تركي حقيقي لكن تفكيره دولي، ثم ليس لديه طموح شخصي بان يكون يوما الرئيس مثلا.
عندما وافقت أوروبا على منح تأشيرة دخول للأتراك، طلبت من أنقرة مراجعة عدة قوانين وتطبيق بعض الشروط. استقال أوغلو فأكد إردوغان أنه لن يسمح لأوروبا بأن تحدد قوانين مكافحة الإرهاب، «إننا نواجه حربًا مع حزب العمال الكردستاني». تتبنى أوروبا حملات حماية الصحافيين الأتراك؛ لأن قوانين مكافحة الإرهاب تسمح للدولة التركية وحزب «التنمية والعدالة» باعتقال كل صحافي ينتقد إردوغان. هذا الأخير سيظل يدفع باتجاه ما يراه أفضل صفقة لتركيا في نظره، وإن كان على حساب الشراكة الدولية، ولهذا فإن احتمال انهيار الاتفاق الأوروبي – التركي قائم جدًا. إردوغان الذي يريد التحكم في السلطات يعرف أنه يتمتع بشعبية لدى فئات كبرى من الشعب التركي، وهذه الفئات غير عابئة بالديمقراطية، تريد دولة قوية، اقتصادا جيدا، والقدرة على ممارسة ثقافتها، أما الدخول إلى أوروبا كعضو فهو آخر همومها، وكان لوحظ في تركيا خلال السنوات الأربع الأخيرة نوع من التعب لدى السياسيين ولدى الشعب على السواء من أوروبا. صاروا يشعرون بأنهم أفضل من دون الاتحاد الأوروبي، وصار الدعم للانضمام يتقلص ليصل الآن إلى نسبة 30 في المائة، بعدما كان وصل إلى نسبة 60 أو 70 في المائة. كل ما يريدونه من أوروبا الآن التأشيرة والمسائل العملية، وليس أن يكونوا جزءًا من الاتحاد.
لكن مع رحيل (المنطقة العازلة أوغلو) ما بين أوروبا وسخط إردوغان، هل سينجح الأخير في تثبيت اقتصاد قوي، وتنتصر فكرته بشأن الأكراد؟ المفترض أن إردوغان سياسي براغماتي، جاء إلى السلطة عام 2002، رحبت به دول العالم؛ لأنه نظف الاقتصاد؛ حيث كان التضخم مرتفعًا، والفساد معششًا، وكان هدفه الأساسي تسوية المسألة الكردية، وحتى السنتين الماضيتين كان هناك اتفاق سلام مع الأكراد، وكان إردوغان الزعيم المسلم المعتدل بنظر العالم. اليوم تسير الأمور بشكل مختلف.
حاليًا الحرب مشتعلة مع «العمال الكردستاني» بسبب سوريا، ثم إن أهداف أنقرة وواشنطن حول سوريا اختلفت وهذه مشكلة كبرى؛ لأن تركيا أكبر حليف في المنطقة بعد إسرائيل، لأميركا.
في سوريا يدعم الأميركيون الأكراد، وهناك احتمال بأنه مقابل التعاون الروسي يبدون مرونة أكثر تجاه بقاء الرئيس السوري بشار الأسد، ولم يعودوا يضغطون لرحيله الفوري. فأميركا تريد إلحاق الهزيمة بـ«داعش» وقد يكون ثمن ذلك بقاء الأسد ضمن حكومة انتقالية تضم بعض أطراف المعارضة. هذا التوجه يثير حفيظة إردوغان، كما أن البعض الآخر من المعارضة، بمن فيهم الأكراد، يلوح لهم في الأفق ما يشبه شمال العراق الكردي في سوريا على الحدود مع تركيا.
هذا ليس مقبولاً للأتراك. يقول ترتيروف: «موقف إردوغان يماثل موقف بوتين لو لم يسترجع شبه جزيرة القرم وأنشأ الأميركيون قاعدة بحرية في سيفاستوبول. فهذا غير مقبول للروس. وباختصار لقد أقدم بوتين على ما أقدم عليه، لكن إردوغان أسقط بيده».
بسبب الرابط بين ما يجري على الحدود السورية – التركية والحرب على الأكراد داخل تركيا، فإذا لم تحصل «صفقة كبرى» بين أنقرة وواشنطن وموسكو والأكراد ستكون هناك مشكلة كبرى في المستقبل المنظور.
حول هذه المشكلة يرى بعض المحللين أنها قد تصبح كما الحال الآن بين أرمينيا وأذربيجان مع إقليم ناغورنو كاراباخ، من هنا فإن خروج أوغلو من المسرح السياسي التركي قد يزيد المشكلة تعقيدًا. وإذا كان خروجه كما فسره البعض لرغبة إردوغان في السلطة المطلقة، فإن كل السلطات الداخلية لن تساعد إردوغان على حل النزاع في سوريا الذي ترك تأثيرًا سلبيًا وخطيرًا على تركيا. هناك مصيدة، أوروبا مصرة على تغيير قوانين الإرهاب في تركيا، إذا فعل إردوغان ذلك، سيبدو كأن بوتين أعطى شبه جزيرة القرم للأميركيين، وكان قال لأوروبا: «سيري في طريقك ونحن نسير في طريقنا، هذا الطريق سيؤدي به إلى تركيز كل السلطات بين يديه كحاكم مطلق».
بروكسل لن تستطيع معاملة تركيا معاملة استثنائية. وإذا لم يحصل إردوغان على نتائج إيجابية الشهر المقبل، فإن الأوضاع في تركيا ستزداد سوءًا، وكذلك الوضع على الحدود الأوروبية.
نقلا عن ایلاف