«حزب الله» محرَج ومربَك، ليس في لبنان وإنما حيث «ظهره» في الجمهورية الإسلامية في إيران، و»صدره» في سوريا. الأصعب، أن هذه الحالة مفتوحة على الوقت، والمتغيرات متحركة على تطورات منها محسوبة وأكثرها خارجة عن الحسابات والإمكانات.
في لبنان، لم يعد «الحزب»، الذي كلمته لا ترد ولا تناقش. لم يعد السيد حسن نصرالله القائد «المقدس»، الذي لا يتجاسر لبناني أو عربي على عدم احترامه وتقديره. أصبحت مساءلته يومية وطبيعية. انتهى تملك «عرس» حرب تموز العام 2006. بدأت المحاسبة يومية وهي تتضاعف.
«جمهور» الحزب من الطائفة الشيعية الذي يردد «فدا السيد»، لم يتراجع في العلن. هذا الجمهور ممسوك من «آلة» حزبية حديدية تملك العطاءات والمنح والوظائف. التغيير لا يظهر في العلن، لكنه حاصل في المنازل «المجروحة» سواء بفقد ابن «مجاهد»، أو معوّق مدى الحياة، أو جريح يتوجع في النقاهة. تتكاثر الأسئلة تدريجياً ولعل أقواها: الى متى؟ ما يعمق الجراح ويرفع منسوب الأسئلة الشرعية والمشروعة، ارتفاع أعداد ضحايا «الحزب« في سوريا عن شهداء حرب تموز، دون ظهور أي إشارة أو أمل بأن لهذا «النهر» من التضحيات نهاية يقف عندها. «شهداء حرب تموز» حرروا الجنوب. أما «ضحايا» سوريا فماذا سيغيّرون؟
في قلب الاستنزاف الذي «بوابة» خلاصه سياسية كانت أو عسكرية، أن «المجاهدين» يقاتلون، والقيادة خارج التفاوض. حتى ولو كان السيّد حسن نصرالله متواجداً في أجواء المفاوضات عبر الاتصالات المباشرة وغير المباشرة مع طهران، فإنه يسمع ورأيه استشاري وليس مقرراً. طهران هي التي تفاوض وهي التي تقرر وهي التي ترسم مسارات التدخل في الحرب في سوريا واليمن والعراق.
داخلياً، مضى عامان، و36 جلسة انتخابية رئاسية والفراغ سيد الأحكام. الوفاء للجنرال ميشال عون ليس فقط لأن الجنرال «عنيد» مثل «شعب لبنان العظيم»، ولكن أيضاً لأن «الحزب» غير قادر على التخلي عن عون، وليس لأن كلمة «السيد» كلمة ولكن لأن الحزب وعلى رأسه السيد نصرالله ذهب الى كنيسة مار مخايل التي تمثل في الحرب الأهلية كنيسة «الصمود والتصدي« في حرب الشياح عين الرمانة ومنها بين بيروت الشرقية والغربية.
في الماضي اختار السيد موسى الصدر المغيّب بهدوئه ورؤيته البعيدة الخطابة في الكنيسة وتحت الصليب فكسب «رمزية» الشراكة. اختلاف الزمن والانتقال من الحرب الأهلية الساخنة الى الحرب الأهلية الباردة غيّرت «الرمزية» فاختلف «العنوان المسيحي» الذي جسده السيد موسى الصدر.
لا يريد السيد نصرالله أن يكشف «ظهره» وهذا من حقه، مسيحياً، فيؤكد تحالفه مع عون، رغم أن النائب سليمان فرنجية ركن من أركان 8 آذار. مشكلة «السيد»، أن فرنجية بعيد عن إيران وإن كان يراعيها. وهو له شخصيته، ويعرف وزن «نعم« وموقع «لائه».
و»السيّد» تهمه إيران أولاً ومن ثم سوريا وباقي العالم. والعقدة أن إيران ليست مستعجلة على خروج وإخراج لبنان من السباحة في الفراغ. طهران لديها حسابات أكبر بكثير من لبنان، طالما أن «الحزب» قادر على الصمود واستثمار فائض القوة الذي يملكه في إبقاء لبنان في «الثلاجة» فلا داعي للعجلة.
القيادة الإيرانية تريد معرفة اتجاهات المسارات التي ترسم لمنطقة الشرق الأوسط وما هو موقعها ومكتسباتها في الساحات المشتعلة قبل أي شيء آخر في لبنان، والحزب جزء من هذه الاستراتيجية مهما قيل عن حريته في القرار على مستوى الساحة اللبنانية.
«الظهر» الإيراني، الذي كان حتى الانتخابات التشريعية والخبراء، «جبلاً» يضمن ويؤمن ويسهل للحزب كل مواقفه، هو حالياً «مربك وضعيف». انتهى زمن أحمدي نجاد وأمواله وقبوله الجلوس مع «الجمهور« لساعتين وهو رئيس جمهورية إيران ليسمع السيد حسن نصرالله الذي مهما بلغت التهديدات الأمنية له، فإنها تبقى مشتركة مع وجود الرئيس الإيراني وبالتحديد أحمدي نجاد.
انتهت أيضاً مرحلة «التمويل» بلا حساب، كل شيء أصبح بحساب. صحيح أن الرئيس حسن روحاني ليس الرئيس محمد خاتمي في كل رؤيته السياسية وفلسفته الخاصة بالحوار والتفاهم، والذي عندما جاء الى لبنان تمنّع «الحزب« عن الاحتفاء الشعبي به، في حين لم يترك وسيلة احتفائية إلا ورفعها لأحمدي نجاد.
من الثابت أن الجمهور الإصلاحي الإيراني، شعاره كان ولا يزال «لا غزة ولا لبنان نريد عزة إيران». الرؤساء هاشمي رفسنجاني وحسن روحاني ومحمد خاتمي «ليسوا مع تجميد الساحة اللبنانية». مهما دعمت هذه «الترويكا» استراتيجية الانتشار خارج الحدود الإيرانية للدفاع عن الحدود الإيرانية فإنها ترى في المحافظة على الساحة اللبنانية محافظة على «حزب الله» وليس العكس الذي يجعل من القوة وفائض القوة الكلمة الفصل. الى جانب ذلك فإن رفسنجاني هو في الأصل «رجل الحوار مع السعودية» وخاتمي «فيلسوف الحوار» منذ البداية، وروحاني شعاره الأمن والاستقرار لإيران والمنطقة.
من هنا كلما قويت «الترويكا» الرئاسية ارتفع منسوب إرباك وإحراج «الحزب« لأنه مهما كان قوياً لا يمكنه أن يقول لا لمن يمسك بالقرار في طهران. يكفي لتقدير حرج الحزب أن السيد حسن نصرالله في احدى كلماته الأخيرة قال: «لقد التقيت الرئيس روحاني مرة واحدة وكان اللقاء طيباً وإيجابياً« كأنه في ذلك يتحدث عن لقاء مع مسؤول أجنبي وليس رئيساً لدولة في «شراكة» معه. من مظاهر قوة الترويكا»، أنها قد ترشح محمد عارف النائب الإصلاحي عن طهران والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية لرئاسة مجلس الشورى، بدلاً من علي لاريجاني مما يعني أن المواجهة مفتوحة بقوة مع المحافظين بجميع فصائلهم، وأن «الرسالة» لها عنوان واحد هو: المرشد آية الله علي خامنئي.
تبقى سوريا عقدة العقد وهي متداخلة مع الساحة اللبنانية، لهذه الساحة عنوان واحد: الاستنزاف المفتوح، والخسارة المضمونة. سوريا ما بعد الحل (أياً كان وفي أي مرحلة زمنية سواء الآن أو بعد 18 شهراً أو أكثر) ليست ولن تكون كما كانت. «الحزب» محاصر في الساحة السورية لا يمكنه الانسحاب إلا بعد صياغة الحل النهائي. وهو يخوض وسيخوض معارك ضخمة، كلفتها البشرية أكبر بكثير من السابق. جبهة حلب «دولية» وليست سورية فقط.
مؤخراً لجأ السيد حسن نصرالله الى «عرفانية» الشيخ بهجت ليستمد منه القوة و»القداسة» كل ذلك في وقت يكتسب فيه «خطه البياني مزيداً من الظلمة والانزلاق الى الضعف»…
*نقلا عن العربیه