مع تجدد صراع الكتل هذه الأيام على السلطة في سيناريو عرض رئيس الوزراء حيدر العبادي تشكيلة الوزراء التكنوقراط على مجلس النواب، عادت حالة الإحباط لدى الجمهور وتضاءلت آمال الإصلاح وتحقيق المطالب الموعودة . فقد بدى واضحا أن الكتل السياسية العراقية المهيمنة على العملية السياسية منذ 2003، لم تأخذ درسا من التظاهرات الجماهيرية المليونية ولا الاعتصام أمام أسوار المنطقة الخضراء، وأكدت أنها ما زالت تتمسك بوزرائها وامتيازاتها، من خلال التهديد بعدم تمرير التشكيلة الوزارية الجديدة تحت مختلف المبررات والحجج، والإصرار على عرقلة مساعي العبادي ما لم تضمن مصالحها .
وبدأ الشارع العراقي يتحدث عن تعرض الحراك الجماهيري إلى خدعة كبيرة من القوى السياسية، لإجهاض التظاهرات والاعتصامات وامتصاص الغضب الشعبي، بعد الادعاء باستجابتها للمطالب الشعبية، وفي الواقع إن ما جرى هو إختصار كل مطالب الإصلاح في تشكيلة وزارية جديدة ستنتهي وكما في كل مرة بتقاسم كعكة السلطة أو ما تبقى منها. وحتى إذا تمكن العبادي من تمرير تشكيلة وزارية ترضى عنها الكتل والأحزاب، فلا يبدو أن تغييرا سيحصل في أداء الحكومة وسياستها وتوجهاتها وسلوكها، وذلك لأن الكتل قد تمكنت خلال 13 سنة الماضية من ترسيخ جذورها وأتباعها في كل هياكل الدولة العراقية، وبالتالي فإن تغيير الوزير لن يضعف نفوذها وسيطرتها على الوزارات إستناداً إلى نفوذها السياسي والعسكري، وهو الأمر الذي جعل الكثير من الأصوات تدعو العبادي إلى حل مجلس النواب للتخلص من ضغوط الكتل السياسية التي لا تهتم سوى بمصالحها وامتيازاتها، ولتمرير تشكيلته الوزارية التي يجب أن تكون خطوة نحو الإصلاحات المطلوبة.
وفي إطار تطورات العمليات العسكرية والمواجهات بين القوات العراقية وتنظيم «الدولة»، فبالرغم من تحقيق انجازات مهمة في تطويق واقتحام معظم أحياء مدينة هيت الاستراتيجية غرب الأنبار وفي تحرير بعض القرى في قاطع مخمور جنوب الموصل، فإن الإدعاءات بإنهيار مقاومة عناصر التنظيم والترويج للانتصارات العسكرية السهلة يبدو أكبر من الواقع، حيث ما زالت معارك الكر والفر متواصلة في هاتين المنطقتين دون حسم، وسط تسريبات وأخبار بعضها أمريكية وبعضها من البيشمركه والحشد الشعبي، بأن الجيش العراقي غير قادر وحده على هزيمة التنظيم في الموصل مع تحذيرات من حرب استنزاف، وهو ما جعل بعض القادة العسكريين الأمريكيين يدعون إلى إعادة تنظيم القوات المسلحة العراقية لتمكينها من تجاوز الثغرات في الحرب على التنظيم .
ومع تحقيق بعض الإنجازات في قواطع العمليات وخاصة في الأنبار، وللتخلص من معاناة النزوح والتشرد، فقد بدأت رحلة عودة النازحين إلى مناطقهم المحررة في الأنبار ومنها مدينة الرمادي، بعد حملة لاعادة تأهيلها سواء في توفير الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء، أو في تنظيف المدن من الألغام وأنقاض الدمار الهائل جراء المعارك والقصف .
واشتدت هذه الأيام معاناة أهالي الفلوجة المحاصرين بين مطرقة القوات الحكومية وبين عناصر تنظيم «الدولة» الذين يهيمنون على المدينة منذ أكثر من سنتين، حيث تصاعدت نداءات الإستغاثة من المدنيين المحاصرين الذين يشيعون كل يوم العشرات من سكان المدينة إلى المقابر جراء الجوع أو القصف الحكومي أو إعدامات عناصر داعش . وتشير الأخبار من داخل الفلوجة إلى أن المجاعة وصلت إلى مستويات غير مقبولة ولا يمكن السكوت عليها، وهو ما دفع بعض الدول إلى إرسال مساعدات إنسانية لإغاثة سكانها وسط ازدياد خناق الحصار وتصاعد جرائم داعش ضد المعارضين فيها . ورغم اتصالات بعض القوى السياسية مع الحكومة والأمم المتحدة لتحرير المدينة وتخليص أهلها من معاناتهم، إلا أنه لا استجابة من قيادة القوات العراقية للقيام بعملية تحرير المدينة الذي أصبح لغزا محيرا، إذ لا أحد يفهم لماذا تترك الحكومة تحرير الفلوجة القريبة من العاصمة، وتتجه لتحرير المدن البعيدة، رغم أهميتها جميعا .
وتفجرت هذا الاسبوع فضيحة جديدة تضاف إلى مئات فضائح الفساد في الحكومة العراقية منذ 2003، وتعكس صورة لأحد أهم أسباب الإنهيار الشامل في الدولة العراقية، ولكنها هذه المرة فضيحة من العيار الثقيل، لأنها كشفت تورط مسؤولين حكوميين كبار منهم حسين الشهرستاني في صفقات تصدير النفط العراقي وصفقات رخص استثمار النفط، وهذه المرة جاء كشف الفضيحة من خلال تقرير استقصائي من مؤسسات أجنبية رصينة لا يمكن تجاهل إتهاماتها، حيث اضطرت الحكومة العراقية إلى توجيه هيئة النزاهة لفتح تحقيق في الموضوع، إلا أن المراقبين في العاصمة العراقية، لا يتوقعون ان تكون نتائج التحقيق مختلفة عن نتائج مئات قضايا الفساد التي سرعان ما تموت وخاصة عندما تلامس الحيتان الكبيرة.
نقلا عن :ایلاف