احتدم النقاش خلال السنة الأخيرة في إيران حول هوية المرشد الأعلى الثالث في تاريخ النظام الإيراني، بزعامة رجال الدين القادمين إلى عالم السياسة من الحوزات الدينية.
ويحظى اختيار خليفة للمرشد الأعلى الحالي علي خامنئي بحساسية بالغة لأسباب عدة، في مقدمتها غياب مرشح حقيقي يحظى بتأييد غالبية الدوائر التي تتقاسم السلطة والقوة في قلب النظام، خصوصًا في ظل التنافس السلبي والعدوانية التي زادت حدتها خلال العقد الأخير بين كبار المسؤولين.
يقترب النظام الحالي في إيران من بلوغ عقده الرابع، العقد الأول من عمر النظام تأثر بقيادة الخميني ورؤيته في إطلاق ولاية الفقيه لكن الحال تغير في بداية العقد الثاني مع وصول خامنئي، إذ لم يترك خامنئي فرصة إلا واستغلها لتقوية موقفه في الداخل.
تفاعل السياسيون الإيرانيون في النقاش المفتوح حول المرشد الأعلى ومستقبله قبل انتخابات مجلس خبراء القيادة التي جرت في 26 من فبراير (شباط) الماضي. بدوره، خامنئي في خطاباته خلال الشهور الستة الأخيرة تحدث أكثر من أي وقت مضى عن مستقبل منصب المرشد الأعلى واختيار خليفته، وأثرت خطابات خامنئي على رفع مؤشر انتخابات مجلس خبراء القيادة. خامنئي في لقائه الأخير مع أعضاء مجلس خبراء القيادة لم يستبعد أن يكون مجلس خبراء خلال السنوات الثماني المقبلة بداية عهد جديد في تاريخ النظام، وفسر المراقبون تأكيد خامنئي على أنه لا يخرج عن أمرين؛ الأول اختيار خليفة له وهو على قيد الحياة، والثاني صحة ما يتردد حول إصابته بمرض السرطان وقرب وفاته.
ما ناقشه خامنئي في خطاباته حول مواصفات ومهام مجلس خبراء القيادة في غضون ستة أشهر يعد غير مسبوق طيلة سنوات حكمه خصوصا بعدما أجرى تعديلات أساسية في القانون الأساسي الإيراني حول صلاحيات المرشد الأعلى، وتبعا لذلك تحول مفهوم ولاية الفقيه إلى ولاية الفقيه المطلقة بعد تعديلات دستورية بعد توليه منصب المرشد. وضمن علامات الاستفهام الكثيرة التي تبعت تأكيد خامنئي، يرى منتقدوه في الداخل أن تطرقه لأوصاف المرشد المقبل وهوية مجلس الخبراء في الفترة الماضية ما هي إلا تمهيد من أجل دعم مرشحيه أو على أقل تقدير يمنع ترشح أشخاص لا يرغب بهم.
* صلاحيات المرشد
أظهرت نسب المشاركة أن انتخابات مجلس خبراء القيادة حظيت باهتمام لأول مرة في تاريخ المجلس، بعد إعلان النتائج اجتمع خامنئي بمجلس الخبراء الحالي لآخر مرة، وطالب بأن يكون مجلس الخبراء المقبل ثوريا ويختار مرشدا يحافظ على ثورية النظام. ووفقًا للمادتين 107 و111 من القانون الأساسي الإيراني فإن اختيار أو عزل المرشد من صلاحيات مجلس خبراء القيادة. وبحسب المادة 109 فإن المرشد الأعلى أولا يجب أن يملك الأهلية العلمية لإصدار الفتاوى في مختلف مجالات الفقه، وثانيا يجب أن يملك العدالة والتقوى المطلوب لقيادة الأمة، إلی جانب امتلاكه رؤية سياسية واجتماعية وتدبير وأيضًا الشجاعة والإدارة والقدرة اللازمة للقيادة، كذلك تنص المادة ذاتها على أنه في حال تعدد المرشحين يقع الخيار على من يملك الرؤية الفقهية والسياسية القوية.
مما يجدر ذكره أن خامنئي تولى منصب المرشد الأعلى بعد أيام من وفاة المرشد الأعلى المؤسس آية الله الخميني، وهناك روايات مختلفة تنقل من خلف ستار التوافق على تسمية خامنئي خليفة للخميني، وعلى الرغم من اختلاف تلك الروايات فإنها تجمع على دور علي أكبر هاشمي رفسنجاني في تجاوز خامنئي لمنافسيه، وكان أبرزهم آنذاك نجل الخميني، أحمد الخميني، الذي توفي عقب أزمة قلبية في 1995. كان خامنئي رئيسا للبلاد طيلة ثمانية أعوام قبل وصوله إلى منصب المرشد الأعلى وتعد خبرته في إدارة البلد من أهم النقاط التي رجحت كفته مقابل رجال الدين الآخرين من منافسيه.
تطرح حالیا خیارات عدة حول مستقبل منصب المرشد بعد خامنئي، لكن الأفق تسيطر عليه حالة من الضبابية في ظل الآراء ووجهات النظر المتباينة في الساحة السياسية الإيرانية، لكن هناك عوامل أساسية قد تكون حاسمة، مثل خامنئي نفسه والحرس الثوري.
* مجلس تشخيص مصلحة النظام
أثار رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني، موضوع مستقبل منصب المرشد الأعلى في مناسبتين، كانت الأولى عندما كشف في حوار مع وكالة «إيلنا» الإصلاحية، منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2015 عن مجموعة تدرس الخيارات المحتملة لاختيار المرشد الأعلى الجديد إذا ما تغير الوضع في إيران. سبق رفسنجاني، عضو مجلس خبراء القيادة قربانعلي دري نجف آبادي الذي تحدث عن ضرورة التفكير بالمرحلة المقبلة بعد خامنئي.
وعلى خلاف الجدل الدائر حول تأثير مجلس خبراء القيادة، يعتقد فريق آخر في إيران أن مجلس خبراء القيادة لا يتجاوز كونه مجلسا شرفيا، قد لا يؤدي دورا في اختيار المرشد، ولكن وفق القانون فإن اختيار المرشد تبقى المهمة الوحيدة المذكورة للمجلس، يتضح الموضوع جليا في تصريح لرفسنجاني عقب ضغوط خامنئي لمنعه من رئاسة مجلس خبراء القيادة عندما قال إنه «من غير الضروري أن أكون رئيسا لتلك اللحظة الحساسة (اختيار المرشد) يكفي أن أكون عضوا في مجلس خبراء القيادة».
فضلا عن حلول اختيار خليفة خامنئي، يبدي الإيرانيون تخوفهم من دخول البلاد في مرحلة فراغ دستوري وفوضى خصوصا في ظل غياب مرشح لا يقل قوة عن خامنئي الذي عمل على تهميش دور رجال الحوزات العلمية ومنح الأفضلية للحرس الثوري والقوات المسلحة وأجهزة الأمن. وفي ظل صعوبة التكهن بمن يخلف خامنئي فإن نظام الحكم سيواجه فراغا دستوريا وتحديات عدة بسبب تضعیف خامنئی دور رجال الدین وتقدیم العسكريين علیهم بحسب المراقبين. لیس من السهل اختیار القائد ومن أجل هذا تعتبر شوری القیادة الخيار الأمثل حسب رفسنجاني، لكن قانونيا حذف خامنئي خيار شورى الفقهاء بعد توليه ولاية الفقيه.
من المتوقع أن تكون للحرس الثوري الكلمة الحاسمة إذا ما انجرفت البلاد للفوضى، لكنه من المستبعد أن يملك زمام الأمور في ظل تأكيد القانون الإيراني على ولاية الفقيه إلا في حال قيام الحرس الثوري بانقلاب عسكري.
بدوره، يعمل خامنئي هذه الأيام على تضعيف وتهميش من قد يكون لهم دور فاعل في تسمية المرشد المقبل خارج دائرة المرغوب فيهم، ويعتقد منتقدوه أنه يمهد للمرشحين الذين يرغب في وصولهم إلى منصب المرشد أو تسمية خليفة له قبل وفاته.
نقلاعن ايلاف