تتعدد الأساليب والوسائل التي يتبعها تنظيم داعش، بغية استقطاب أعضاء ومناصرين جدد من الشباب إلى صفوفه من جميع أنحاء العالم.
وتعد مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، سكايب) من أهم الأساليب التي يستخدمها التنظيم في اجتذابهم، خصوصا الشباب في أعمار مبكرة. وهذا ما دفع صحافية فرنسية تدعى Anna Erelle إلى محاولة التواصل عبر الإنترنت باسم مستعار مع أحد عناصر تنظيم داعش ويدعى (أبو بلال الفرانزي)، من أجل التعرف عن قرب على إستراتيجية التنظيم في تجنيد الأعضاء الجدد من خلال شبكة الإنترنت، وقد قامت بنشر تجربتها في كتاب بعنوان (In the skin of a jihadist.. a young journalist enters the ISIS recruitment network)، مبرزة المحادثات اليومية التي دارت بينهما، ومنهجه المستخدم في إقناعها، وفقا لما عرضه الباحث أحمد عسكر عن هذا الكتاب.
تصاعد الاستقطاب
يستغل تنظيم داعش الفضاء الإلكتروني في الترويج لأفكاره لجذب أعضاء جدد، كما أنه يعول كثيرا على ما يعرف بالإعلام الجهادي في سبيل مضاعفة أعداد المنضمين الجدد له من أرجاء العالم المختلفة، كي يضفي على أسلوبه وإستراتيجيته طابع العالمية، فقد أصبحت شبكة الإنترنت إحدى الأدوات بالغة الأهمية في نشر الفكر المتطرف بين أعداد كبيرة من الشباب، الأمر الذي أدى إلى إعجابهم بمعظم أفكار التنظيم، ومن ثم تنفيذ فكرة الانضمام بأعداد كبيرة لتنظيم داعش، لا سيما الشباب في قارة أوروبا.
ولما استطاع تنظيم داعش استقطاب المزيد من النساء والفتيات في سن المراهقة، وتشجيعهن على السفر إلى سورية والعراق، مثل التوأمتين البريطانيتين من أصل صومالي (سلمى وزهرة) اللتين انضمتا إلى “داعش” وتزوجتا من عناصر التنظيم.
وفي ظل تصاعد ظاهرة المجندات من قبل التنظيم في الدول الأوروبية اللاتي يقمن باستقطاب الفتيات في سن مبكرة لتنظيم داعش، كالسيدة البريطانية سالي جونز التي حولت اسمها إلى عائشة، وأنشأت حسابا خاصا بها على الإنترنت، تزعم فيه أنها تبلغ من العمر 17 عاما، كان من اللازم التعرف عن قرب على استراتيجية التنظيم في تجنيد الأعضاء الجدد من خلال شبكة الإنترنت.
وهذا ما دفع الصحافية (إيريل) إلى التعرف عن قرب على من يُدعى (أبو بلال الفرانزي)، في ربيع عام 2014 وقبل شهرين من احتلال مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية من قبل تنظيم داعش، بغية التعرف على كيفية تجنيد تنظيم داعش للشباب من خلال الفضاء الإلكتروني، والأسباب التي تؤدي إلى اقتناع واجتذاب بعض الفتيات من مواطناتها الفرنسيات بخطاب “داعش”، وعلى إثر ذلك يقررن الالتحاق بـ”داعش” والسفر إلى سورية والعراق، ظنا منهن أنهن يرحلن من ديار الكفر إلى ديار الإيمان.
ومن ثم اعتمدت إيريل في تجربتها التي تعرض لرؤية حقيقية للأعمال الداخلية لتنظيم داعش، على إجراء محادثات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما فيسبوك وسكايب، مع أبو بلال الذي يعد أحد العسكريين في تنظيم داعش، ومقربا من أبي بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش، حيث قامت بإنشاء حساب مزيف على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” باسم (Melodie)، وادعت أنها فتاة تبلغ من العمر عشرين عاما، وقد تحولت أخيرا إلى الإسلام، وتعيش مع أسرتها في مدينة تولوز الفرنسية، ولديها شغف واهتمام بمعرفة المزيد عن تجربة تنظيم داعش في المشرق العربي.
آليات التجنيد
قامت الصحافية الفرنسية بتدوين عديد من الملاحظات عن تجربتها، ومنها أن التنظيم يستعين في استقطابه لمزيد من المؤيدين والمناصرين بلجانه الإلكترونية على شبكة الإنترنت والمعنية بنشر الفيديوهات والبيانات الخاصة بالتنظيم، والمناقشات مع الأعضاء المهتمين بأفكار التنظيم، كما يعتمد أيضا على مقاتليه في استقطاب المزيد من أصدقائهم، وكذلك من يتواصلون معهم عبر الإنترنت، لإيجاد جيل جديد ينضم إلى داعش في سورية. كما يقوم عناصر التنظيم بعمليات غسيل لعقول كثير من الشباب الأوروبي، ويقومون بإغراء النساء والفتيات للانضمام إلى تنظيم داعش، حيث يصورون أرض التنظيم على أنها أرض الأحلام التي ستتحقق فيها كل أحلامهم بمجرد الانضمام والسفر إليها.
ووفقا لتجربة إيريل، فقد بدأ أبو بلال في بداية حديثهما بالتساؤل عن أي دين تنتمي إليه، وكذلك عن إمكانية ذهابها إلى سورية، فضلا عن رأيها في أعضاء التنظيم. وبمجرد التعرف على هويتها الدينية الإسلامية، عرض عليها الزواج دون أن يعرفها أو يراها من قبل، وكانت حجته في ذلك “يكفي أنها مسلمة”.
توضح الكاتبة أن هناك تجاهلا وتقصيرًا في المسؤولية، يقع جزء كبير منها على الأسرة.
ودعاها إلى السفر إلى سورية، بحجة أن من يريد أن يكون مسلما جيدا وأن تتم هدايته، ويجب أن يذهب إلى سورية فهي الدولة الوحيدة التي تستطيع أن تكون بها مسلما جيدا، على حد قوله، لكن الإقامة في الغرب تؤدي بهم إلى النار، كونهم يبتعدون كثيرا عن الإسلام ولا يصبحون مسلمين جيدين.
ويشير الكتاب إلى أنه من هنا يظهر التناقض والخداع في أسلوب تنظيم داعش، ففي الوقت الذي يدعو فيه التنظيم للهجرة من بلاد الكفر على حد قوله ورفض الحياة الأوروبية والمجتمع الغربي، نجد أن هناك عديدا من الصور التي التقطت لعناصر من التنظيم تظهر اعتمادهم على المنتجات الأوروبية.
ومن ثم يلجأ أعضاء تنظيم داعش إلى إثارة الحماسة الدينية في قلوب الشباب والفتيات، وإيهامهم بأن تطبيق الإسلام الحق وتعاليمه في أرض الدولة، فضلا عن إثارة المشاعر العاطفية من خلال طلب الزواج من الفتيات لإغرائهن بالانضمام إلى التنظيم، وتحفيزهن بالمجيء لسورية بعد أن يصور لهن أنهن سيصرن من النساء ذوات الأهمية في التنظيم، وسوف تحقق لهن أية أمنية، فضلا عن الحرية التي يتمتعن بها في ظل “دولة” التنظيم في سورية.
فيديوهات “مؤثرة”
وتعد الآلية الإعلامية لتنظيم داعش على قدر من الأهمية في إقناع الشباب بأفكار التنظيم المتطرفة، من خلال نشر الفيديوهات والمناقشات التي تتم عبر الصفحات التي يمتلكها التنظيم في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يمتاز التنظيم بإنتاج فيديوهات مؤثرة، من شأنها أن تؤثر في نفسية الشباب الأوروبي، وتنجح في اجتذابهم إليه، ومن ثم الانضمام للتنظيم.
وهو ما فعله (أبو بلال) -أحد أعضاء التنظيم- بعد أن نشر فيديو له في صفحته على موقع فيسبوك، في سيارته وبجوار أسلحته، الأمر الذي أثار فضول وإعجاب المتابعين له من الشباب، ومن ثم يدخلون في مناقشات ومحاورات وعديد من التساؤلات، على إثرها يمكن إقناع أعضاء جدد بالانضمام للتنظيم.
كما يعتمد أعضاء التنظيم في أساليبهم أثناء التواصل الإلكتروني مع الشباب على أن يبعث داخل محدثه نوعا من الراحة والطمأنينة النفسية، من خلال أحاديثه وكلماته التي يسودها الاحترام واللباقة، وفي الوقت نفسه يقدم الداعشي نفسه كأب لكثير من الفتيات لمحاولة استمالتهن للانضمام إلى تنظيم داعش.
وتوضح الكاتبة أن هناك تجاهلا وتقصيرا في المسؤولية، يقع جزء كبير منها على الأسرة تجاه الأساليب التي تتبعها التنظيمات الإرهابية، لا سيما “داعش”، خصوصا في ظل عدم السيطرة الأسرية على الأطفال، وعدم توجيههم إلى كيفية التعاطي مع تلك الأفكار المتطرفة التي تروج لها تلك التنظيمات الإرهابية في مواقع الإنترنت، لا سيما مواقع التواصل الاجتماعي، والعمل على تحذيرهم من اتباع أيٍّ من تلك الأفكار، في ظل هذا الفضاء الإلكتروني المفتوح على العالم كله، ولا توجد أية إجراءات رقابية أو وقائية من تلك الأفكار السيئة التي تبثها التنظيمات الإرهابية.
روح المغامرة
لماذا ينضم الشباب الأوروبي إلى “داعش”؟ هناك عديد من الأسباب والعوامل التي تدفع الشباب والفتيات إلى الانضمام إلى تنظيم “داعش”، حيث يرجع انضمام الكثير منهم إلى استخدام عناصر التنظيم فكرة إغراء الشباب لاستمالتهم إلى الانضمام إليه، بتصوير “أرض” التنظيم على أنها جنة يعيش فيها الجميع كأسرة واحدة، تتوافر فيها الحماية للجميع، كما أنها تمتلك الرفاهية المعيشية، وأن غير المنضمين لها تائهون وضائعون.
كما تلعب الخلفيات الاجتماعية والدينية للشباب والفتيات، سواء نمط حياتهم غير الملائم، أو تحولهم إلى مسلمين راديكاليين؛ دورا في التحاقهم بالتنظيمات الإرهابية، كما أن الترويج لمفاهيم يخاطب بها التنظيم الشباب لإثارة العواطف الدينية لديهم، كالقول بأن الانضمام لـ”داعش” سيترتب عليه مسح جميع الذنوب والخطايا، ما يدفع كثيرا من الشباب إلى الاعتقاد بأن تعاليم الإسلام الصحيح تطبق في “داعش” في سورية. فضلا عن دعوة المتطوعين للقيام بمساعدات إنسانية داخل أراضي “داعش)، إضافة إلى الترويج من قبل تنظيم داعش لفكرة الخلافة السنية في العراق وسورية، الأمر الذي يتزايد على إثره رغبة الشباب في الانضمام لـ”داعش”.
وللأداة الإعلامية الداعشية دور مهم في انضمام كثير من الشباب إلى التنظيم، حيث تلعب الفيديوهات ذات التقنية التكنولوجية العالية التي تقوم بعرض المزيد عن الجولات القتالية والمقاتلين الداعشيين في سورية وأنحاء الحياة المختلفة، ما يزيد من احتمالية انضمام المزيد من الشباب إلى التنظيم، خصوصا في ظل روح المغامرة التي تسيطر عليهم.
كما يقدم التنظيم الكثير من الوعود بحياة أفضل في سورية تحت مظلة حكمه، من حيث الرعاية الجيدة، والحصول على المال، فضلا عن الزواج بالنسبة للجنسين، وتوافر فرص عمل، وتوافر كثير من الخدمات، ما يجعل من السهل استقطاب أعداد كبيرة من الشباب في أنحاء العالم المختلفة، خصوصا في ظل الحالة الاجتماعية والاقتصادية، وسوء الأوضاع التي تعاني منها طائفة كبيرة من الشباب، الأمر الذي يجعلهم لا يرون أي مستقبل في بلادهم، ومن ثم يلجئون إلى تنظيم داعش الذي يوفر لهم جميع سبل المعيشة.
فرصة للتباهي
وهناك كثير من الشباب والفتيات ممن ينضمون لتنظيم داعش سعيا وراء الشهرة، حيث يرغبون في أن تكون أسماؤهم ضمن تاريخ التنظيم، ومن ثم تنتابهم السعادة عندما يصلون إلى سورية، ويعلنون عن وصولهم سورية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويتفاخرون كم أنهم أضحوا أقوياء بعد انضمامهم لـ”داعش”.
وجدير بالإشارة إلى أن تنظيم داعش يرفض عودة أي من المنضمين إليه إلى بلادهم، فالدخول إلى التنظيم كالدخول إلى الجحيم لا يمكن الخروج منه، وهو ما أظهره أبو بلال في حديثه مع إيريل، بأنه بمجرد انضمامها إلى تنظيم داعش وجب عليها نسيان أهلها وأصدقائها ونسيان كل شيء.
وبعد أن تأكد العضو الداعشي المسؤول عن الاستقطاب من إقناعه لإيريل، بدأ أسلوب المعاملة يتغير إلى الشدة، والتهديد بضرورة القدوم إلى سورية في أقرب وقت، ومن أجل إجراء تحقيق صحافي وافقت إيريل على الذهاب، وادعت أن المصورة الصحافية هي شقيقتها الصغرى التي ترغب في القدوم معها.
وأخبرها أن عليها الذهاب من فرنسا إلى أمستردام، ومنها إلى إسطنبول، ثم مدينة (كيليس) التي تقع على الحدود التركية، وبمجرد وصولها إلى أمستردام بدأ يقوم بتهديدها، ويخبرها بأنه يقود ما لا يقل عن 200 رجل في اليوم الواحد، وأن عليها أن تطيع الكلام بحذافيره دون نقاش، ومن ثم قررت إيريل التراجع بعد التشاور مع رئيس التحرير، وأخبرته في رسالة بأنها اضطرت إلى العودة إلى فرنسا، ولم يتواصل معها بعدها تماما.
وختاما، أبرزت الكاتبة مدى أهمية مواقع التواصل الاجتماعي في لعب دور مهم لتنظيم داعش في انضمام المزيد من المناصرين والمقاتلين الجدد إلى التنظيم، في ظل التطور التقني والتكنولوجي المتقدم من جانب تنظيم داعش. وضرورة توفير حماية لمن يرغبون في العودة، خصوصا مع التهديدات الوحشية المتوالية التي تأتي من التنظيم، فبعد تراجعها تم إرسال عديد من رسائل التهديد من أشخاص مختلفين لها، وبعد أن قامت بنشر التحقيق الصحافي عن تجربتها، تم نشر فتوى تبيح دمها، وتطالب أي مسلم مخلص يقابلها بأن يقوم بقتلها.