خلط أوراق سياسية شهدها لبنان منذ بادر الرئيس سعد الحريري إلى اقتراح حليف حزب الله وصديق بشار الأسد، سليمان فرنجية، لمنصب رئاسة الجمهورية، منذ هذا الاقتراح انقطع التواصل المباشر بين الحريري وحليفه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وفي هذا الصدد يقول جعجع إن ذلك لم يؤد إلى وقف التواصل بين “المستقبل” و”القوات”. يوحي سمير جعجع بأن هناك شيئا حصل مع الحريري على المستوى الشخصي منذ بادر الحريري إلى ترشيح فرنجية.
من هنا يبدأ جعجع في تقديم أسباب تبنيه خيار تبني ترشيح ميشال عون في حفل كبير في 18 يناير الجاري جرى في معراب بحضور العماد ميشال عون، إذ يؤكد أنه كان دائما مع نظرية تقول إن الفراغ الرئاسي هو أفضل من انتخاب رئيس ينتمي إلى 8 آذار، لكن مع كسر هذه المعادلة من قبل الحريري، وجد جعجع نفسه أمام حقيقة أن الرئيس بات حكما من فريق 8 آذار، لذا بين خيار فرنجية أو العماد ميشال عون انحاز جعجع إلى عون لأسباب عدة منها ما هو”سياسي بالدرجة الأولى” ومنها ما هو شخصي بحسب تاريخ العلاقة غير الودودة بين فرنجية وجعجع.
لا يعتبر جعجع أن الحريري حين اقترح فرنجية كان يستجيب لمطلب سعودي، بل مبادرة ذاتية اقترحها ورحب بها السعوديون انطلاقا من أنهم يفضلون أن ينجز لبنان عملية انتخاب رئيس للجمهورية. بتقدير جعجع أن موافقة الحريري على تبني فرنجية لا تجعله بعيدا عن تبني ميشال عون من قبل “المستقبل”، لا سيما أن هذه الخطوة تأتي في سياق تبني خيار الأكثرية المسيحية المستندة إلى العودة إلى خيار الدولة وشروطه، وهذا ما عبرت عنه “النقاط العشر” التي كانت قاعدة الاتفاق بين عون وجعجع.
إذن “جعجع اتخذ قرار ترشيح عون من دون أن يستشير أحدا، وكل الكلام عن أنّ السعودية مستاءة من جعجع وتعتبر ما حصل هو طعنة في الظهر هو عار من الصحة، فهناك ثقة متبادلة بين القيادة السعودية وجعجع، والعلاقة مع السعودية جيدة جدا، والمملكة تدعم التوافق المسيحي في لبنان”.
جعجع أكّد لـ”العرب” أنّ التواصل بين “المستقبل” و”القوات” مستمر والاتصالات ليست مقطوعة ولكنها محصورة بين النواب والمستشارين وهذا التواصل سيستمر.
لقد حقق جعجع مكاسبه السياسية من دون أن يضمن أن تأييده الجنرال سيوصله إلى سدة الرئاسة الأولى. هو لم يذهب إلى الاتفاق مع عون قبل أن يحدد مضمونا سياسيا لهذا الترشيح تمثل في النقاط العشر. وبذلك خفف من وطأة التهمة بأن موقفه ناتج عن نكاية سياسية وليس انطلاقا من رؤية وأهداف سياسية. في “النقاط العشر” أخذ جعجع من عون ما لم يستطع حليفه تيار المستقبل انتزاعه علناً من سليمان فرنجية، ولا من الحوار (الممل) الذي باشره منذ سنة مع حزب الله. وإذا كان من أهداف تيار المستقبل في ترشيح فرنجية التزام الأخير باتفاق الطائف، فقد حققه جعجع في الحوار مع عون، وأضاف إليه التزاما بضبط الحدود مع سوريا ومنع انتقال المسلحين في الاتجاهين، وأكثر من ذلك الالتزام بقرارات طاولة الحوار.
الجنرال ميشال عون كان مقتنعا بأنّه مرشح حزب الله الوحيد لرئاسة الجمهورية، وسبق لحزب الله أن قال له اذهب إلى خصومك وآتنا بتأييدهم ونحن لك من المؤيدين والشاكرين، لم يكذّب الجنرال خبرا، ذهب إلى باريس والتقى بالرئيس سعد الحريري، وناقشه بالموضوع، لكنه لم يفلح، وأوفد صهره جبران باسيل إلى السفارة السعودية وإلى السعودية ولم يفلح، وعند كل خيبة يتلقاها الجنرال عون، كان حزب الله يعبّر عن استمراره بتأييد الجنرال عون لرئاسة الجمهورية.
اليوم وبعد الصدمة التي أحدثها ترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لخصمه اللدود ميشال عون سقط “الوفاء” وبان الوجه الانتهازي لتحالف حزب الله – عون، فالأفراح لم تعم ديار الممانعة وحلقات الدبكة لم تعقد في أرجاء الضاحية والجنوب والبقاع احتفاءً بالنصر الإلهي والنهائي، وباستسلام قوى وأحزاب تحالف 14 آذار صاغرة لمعسكر 8 آذار الذي يقوده حزب الله، كما كان يظن جمهور الممانعة أنه سوف يكون، وهو استعدّ لذلك بكل حماس وبراءة.
جرّاء هذا الترشيح الذي يُعتبر محرجا لقوى 8 آذار ما لم يسحب سليمان فرنجية نفسه من المعركة بهدف الحفاظ على التكاتف الهشّ داخل هذا التحالف، الذي قال عنه أحد أركانه الوزير السابق وئام وهاب يوما، في معرض نقده لجماعة الثامن من آذار، “ما هذا التحالف الذي لم يجتمع يوما ولو لمرة واحدة”.
وذلك في تأكيد على أن تحالف 8 آذار ليس سوى جهة واحدة اسمها حزب الله، توزع التعليمات على بقية الأعضاء دون مشورة أو مراجعة، وما لقاءات فرنجية والحريري في باريس إلا دليل قوي على ذلك كونها تمت بعلم وموافقة من حزب الله.
حلف الممانعة أو 8 آذار، هو اليوم أمام جملة خيارات كلها صعبة، فإما أن يؤيد ميشال عون وبالتالي سيحدث ذلك شرخا بين حزب الله وفرنجية، وإما ترك التنافس يأخذ مجراه بين عون وفرنجية ومجلس النواب يحسم موقع الرئيس بينهما، وهذا ما يرفضه الجنرال عون رفضا مطلقا، لأنه يعتقد ومعه الكثيرون أن حزب الله قادر على إلزام كل عناصر 8 آذار بمن فيهم الرئيس نبيه بري والنائب فرنجية. وبالتالي لن يقبل عون من حزب الله أي أعذار من هذا القبيل.
ولأن معظم التحليلات تؤدي إلى مكان واحد، ونتيجة واحدة وهي عدم رغبة حزب الله في إجراء عملية انتخاب رئيس للجمهورية، وإلا لكان بادر إلى إعلان موقفه الترحيبي بتأمين الأصوات التي تؤمن مع أصوات 8 آذار وصول العماد ميشال عون للرئاسة.