تبدي إيران اهتماما كبيرا بوسائل إعلامها الناطقة باللغة العربية، وتهدف من ورائها إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، في مقدمتها تحسين صورتها لدى المتلقي العربي، وفي المقابل الإساءة إلى صورة الدول العربية، لا سيما الخليجية منها.
لتحقيق ذلك الهدف، اتبعت طهران خطة تم إعدادها بدقة، وتنفذها لجنة تتبع مكتب المرشد مباشرة، مما يؤكد أهمية العمل المطلوب منها.
ويقول الباحث في الشأن الإيراني، عايد الشمري، إن إيران جندت مجموعة من الإعلاميين العرب لتنفيذ تلك الخطة، إضافة إلى أساتذة لغة عربية، ومستشارين إعلاميين.
شهد الإعلام الإيراني الناطق باللغة العربية تغيراً ملحوظا في السنوات العشرة الأخيرة، حتى أصبح منافسا للإعلام الفارسي، وذلك في إطار تصدير الثورة والنزعة المعادية للدول العربية، وتحديداً المملكة. وكشّف مختصون لـ “الوطن” الخطة التي تقوم إيران من خلالها بزرع أذرع إعلامية لها في العديد من الجهات لخدمة أجندتها الدعائية.
وقال الباحث في الشأن الإيراني، عايد الشمري، إن طهران أطلقت مشاريع دعائية واسعة، موجهة إلى المتلقي العربي، وفق السياسة العدائية التي يتبعها نظام الولي الفقيه في الدول العربية، مضيفا أن وزارة الثقافة والإعلام الإيرانية، بالتنسيق مع مكتب خامنئي والمكتب الإعلامي للحرس الثوري، أصدرت أمراً ملزماً لكل وكالات الأنباء والمواقع الإعلامية في عام 2004، لتأسيس وإطلاق نسخ عربية لتلك المواقع في فترة لا تتجاوز عشر سنوات.
وأضاف، أنه برزت منذ ذلك الحين “لجنة عليا للإشراف والرقابة على الإعلام الإيراني – العربي، تضم مستشارين إعلاميين، وأساتذة لغة عربية، وممثلين تابعين للمكتب الإعلامي للمرشد، تشرف على وكالة مهر للأنباء، وتصدر عنها صحيفتا طهران تايمز، وكيهان العربي، وممثلين عن القسم الإعلامي في الحرس الثوري، والاستخبارات، وخبراء الشرق الأوسط في مركز حوار الحضارات، التابع للرئاسة الذي يصدر مجلة شيراز باللغة العربية.
استقطاب إعلاميين عرب
قال الشمري، إنه حسب المعلومات التي تحصل عليها، فإن اللجنة إضافة إلى اتخاذ القرار والتنسيق مع الجهاز الإعلامي الإيراني، فإنها تعمل على تدريب وتأهيل إعلاميين عرب، ليشغلوا مناصب رفيعة في الإعلام العربي، أو في بلدانهم الأصلية، كما يستمرون في التعاون مع إيران، ابتداءً من تمرير الخطاب الإيراني، وتحسين صورة طهران في الوطن العربي، وصولا إلى مدها بالمعلومات الحساسة التي يحصلون عليها من خلال العلاقات، والوصول إلى مراكز صنع القرار، وكشف ما خلف ستار الإعلام العربي.
وأضاف أن إيران منذ إطلاق قناة العالم، وقبل ذلك قناة سحر الفضائية، والقسم الخارجي في هيئة الإذاعة والتلفزيون، ركزت على توسيع دائرة إعلامها الناطق بالعربية، مبينا أن قناة العالم كانت بداية حقيقية للمشروع.
وأشار إلى أن اللجنة أطلقت مشاريع أخرى بموازاة ذلك، بالتعاون مع مؤسسات إعلامية عربية، منذ العام 2006، ولعب الإعلاميون الذين يملكون علاقات متميزة مع الإيرانيين دوراً أساسياً في تقدم هذا المشروع وتوسعه، من بينهم المراسل السابق لقناة الجزيرة، والمدير الحالي لقناة الميادين، غسان بن جدو، المتزوج من شقيقة المحلل الإيراني محمد صادق حسيني، وعدد من المراسلين العرب الذين عملوا لفترة في قناة العالم.
تأهيل وتدريب
وحسب الشمري فقد ركزت قناة العالم على استقطاب إعلاميين عرب، بهدف التواصل مع مجموعات إعلامية عربية في بعض الدول العربية، كما عملت على تأهيل وتدريب كوادر جديدة من الإيرانيين والعرب الوافدين إلى جامعاتها، حيث تقدم طهران سنويا منحاً دراسية للمتقدمين للملاحق الثقافية التابعة للسفارات الإيرانية في الدول العربية، وضمن ذلك تحاول استقطاب أبناء كبار الوزراء والمسؤولين وزعماء الجماعات الدينية والأحزاب العربية التي تملك علاقات ودية مع النظام.
وإلى جانب ذلك يدخل الجامعات الإيرانية سنويا مئات الأشخاص من المناطق الموالية للرؤية السياسية الإيرانية في العالم العربي، في حين يحرم أبناء أغلب المناطق، مثل الأحواز، وبلوشستان، وأبناء الشعوب الأخرى من دخول تلك الجامعات، وبعد ستة أشهر فترة الاندماج الثقافي وتعليم اللغة الفارسية التي يمر بها الوافدون في جامعة خميني الدولية في قزوين، تعمل الأجهزة الإيرانية المختصة على غربلة الأفراد بحسب انتمائهم الفكري والعقائدي وإمكانية انخراطهم في المشاريع الإيرانية.
تقديم المشروع الإيراني
أكد الشمري أن الخطاب الإعلامي وفق سياسة أجهزة الدعاية الإيرانية يوجه إلى جميع شرائح المجتمع العربي، ولا يترك قضية من دون رصد ومتـابعة وتدقيق، باعتبارها ثغرات يمكن استغلالها لتمرير الخطاب، وكسب الرأي العام في الجهة الأخرى، بمساعدة الخبراء والمختصين العرب الموالين للنظام الإيراني، وبذلك تضمن طهران تقدم المشروع بحسب رؤية مراكز صنع القرار. وقبل سنوات قليلة أوفدت جامعة طهران فريقا من الطلبة العرب، من حملة شهادة الدكتوراه في اللغة الفارسية إلى عدد من الجامعات الخليجية لإطلاق أقسام مختصة بنشر اللغة والثقافة الفارسية في عدد من الجامعات، مثل جامعة الدوحة التي يعمل بها فريق مقرب من حزب الله، من الفلسطينيين واللبنانيين ويعملون حاليا كخبراء في الشأن الإيراني في مؤسسات إعلامية كبيرة.
وأشار الشمري إلى أن النظام الإيراني قام بإطلاق عدة برامج لتأهيل صحفيين لوكالات الأنباء لتعلم اللغة العربية، وساهمت الملحقية الثقافية السورية بالاشتراك مع جامعة طهران في إدارة البرامج، كما أن جامعات طهران اتجهت في السنوات الأخيرة إلى تحويل قسم اللغة وآدابها إلى تأهيل خريجي اللغة العربية إعلاميا، وتعيينهم في مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام، بما في ذلك ترجمة الكتب العربية المهمة وتوفير ما تحتاجه مراكز البحوث الإستراتيجية عن العالم العربي.
رسم صورة سلبية للعرب
وأضاف الشمري “بذلك فإن اللجنة العليا للرقابة والإشراف على الإعلام العربي، مسؤولة عن تدريب وتأهيل الكوادر الجديدة على أعلى المستويات، وضمها للأقسام الإعلامية الإيرانية باللغة العربية، ويمكن لطهران أولا الحصول على كادر مميز يجيد العربية تحدثا وكتابة، وبما أن طهران ترفض وجود مراسلين وافدين يعملون لوكالات الأنباء ووسائل الإعلام العربية، فإن وسائل الإعلام العربية تلجأ للتعامل مع مكاتب إعلامية في طهران، لتأمين المواد الإعلامية، وتلك المكاتب في الأساس تابعة للجنة الرقابة والإشراف على الإعلام العربي، وحاصلة على رخصة وزارتي الثقافة، والاستخبارات، والمكتب الإعلامي للحرس الثوري، وبالمقابل تتابع الأجهزة الإيرانية مشروع رسم صورة سلبية عن المملكة والدول العربية الأخرى، لاسيما دول مجلس التعاون، لدى الرأي العام الإيراني، بموازاة تحسين الصورة الإيرانية لدى الرأي العام العربي.