المناضل الوطني الراحل وعضو البرلمان في 1973 “محمد جابر صباح” أشاد ہ”مذكرات بحريني عجمي” وقال لضيوف وروّاد مجلسه بأن الكاتب عادل محمد قام بمجهود طيّب عندما وثّق أحداث البحرين في الخمسينيات من القرن الماضي، لهذا الجيل والأجيال القادمة.
• مذكـــــــــــــــــــــــرات
فهد المضحكي
جريدة الأيام البحرينية – 9 يونيو 2012
لم تكن مذكرات عادل محمد التي كتبها على جزئين ونشرها في موقع الحوار المتمدّن الالكتروني سوى محطات سياسية واجتماعية وإن كانت مختصرة فإنها خطوة نحو توثيق بعض الأحداث التي مرّت بها البحرين عبر مراحل معاصرة مختلفة. وقبل الدخول في دهاليز هذه المحطات يقول الكاتب: «بعد الأحداث المؤسفة التي شهدتها البحرين منذ الحركة الاحتجاجية في 14 فبراير 2011، والتي تحوّلت فيما بعد إلى مشاحنات طائفية واتهامات متبادلة بين الشيعة والسنة وهجوم شرس والاتهام بالخيانة والشتائم ضد العجم، وذلك لسبب اشتراك البعض منهم في هذه الأحداث فكرت في كتابة مذكراتي تحت عنوان «مذكرات بحريني عجمي» من أجل التخفيف من المشاحنات الطائفية ونبذ التفرقة العنصرية والمذهبية بين الشعب البحريني، وأهدي هذه المذكرات إلى الأهل والأصدقاء والأحباء وجميع أهل البحرين الطيبين». ورغم إن هذه المحطات عابرة دوّنها كما يقول الكاتب على عجلة من أمره فإنه من الطبيعي أن تفتقد إلى تفاصيل كثيرة تسلط الضوء على التناقضات والتحولات السياسية التي شهدتها البلاد في خمسينيات وستينيات من القرن الماضي، ومع ذلك فإن هذه المذكرات محاولة تستحق الثناء والتقدير طالما الغاية والهدف منها التوثيق السياسي والتاريخي. في هذه المذكرات تحدث الكاتب وهو من مواليد فريق المخارقة في بداية الأربعينيات عن تضامن أهل البحرين مع القضية الفلسطينية إبان النكبة 1948، ومع الشعب المصري عندما تعرّضت مصر للعدوان الثلاثي 1956 وعن بدايات حياته السياسية التي بدأت تشق طريقها عندما تعرّف وهو يعمل في مكتبة المؤيد على «آرميك منصوريان» الإيراني الأرمني الأصل مسؤول المخازن «عرفته إنساناً متواضعاً هادئ الطبع يتحدث معي عن ثورة مصدق وتأميم النفط في إيران، كنت استمع إليه بشوقٍ وشغف، كانت هوايته الرسم، وكانت رسوماته والشعارات السياسية التي رسمها التي رفعها الشعب البحريني في مظاهرات التضامن مع مصر سبباً في اعتقاله ونفيه إلى إيران». ومن الحوادث التي أوردها الكاتب في هذه المذكرات حادثة البلدية عام 1956 التي أطلق النار فيها على المواطنين، وفي ذلك الوقت كان الوضع السياسي متفجراً وكانت المطالبة بعزل المستشار بلغريف في مقدمة المطالب لاعتباره المسؤول عن إطلاق النار ومات أكثر من خمسة من المواطنين بالرصاص وجرح حوالي خمسة عشر شخصاً. كما تحدث عن بداياته السياسية وعن انتمائه إلى جبهة التحرير التي كانت أهم أهدافها في ذلك الوقت الكفاح ضد الاستعمار البريطاني من اجل الاستقلال الوطني وبرلمان ومطالب أخرى ديمقراطية مثل حرية الأحزاب السياسية ونقابات عمالية. وهنا تطرّق أيضاً إلى تأسيس جبهة التحرير وإلى المؤسسين البحرينيين والإيرانيين من حزب «توده» الذين فروا من إيران ولجأوا إلى البحرين على اثر مطاردات «السافاك» لهم. وعن التعايش والتسامح الذي عرفته البحرين منذ القدم استعرض شركة «بابكو» مثالاً على ذلك «كان الموظفون خليطاً من الطوائف «عرب وعجم وشيعة وسنة وجاليات أخرى مقيمة كالهنود والأوروبيين والأمريكان المسيحيين» كانت العلاقات بين الموظفين أخوية وطيبة، كنا نحرص على هذه العلاقات، إذ نقوم بترتيب الجلسات الاجتماعية والرحلات، وفي أيام الأعياد والمناسبات نحضر الحفلات مثل حفلة الكريسمس ورأس السنة الميلادية.
وتحت عنوان «حكايتي مع الثورة الإيرانية»، يقول: لقد كنت من البحرينيين القلائل الذين تابعوا الأحداث الإيرانية من بداية ظهور الخميني وإلقاء خطاباته الرنانة والنارية ضد نظام الشاه البائد حتى عودته من المنفى عام 1979 وجلوسه على عرش السلطة؛ لأني كنت ذا ميول يسارية وضد النظام السابق أيدت الخميني وثورته حتى نحو سنة بعد الثورة. ثم اكتشفت فيما بعد إن الوعود بالديمقراطية وعدم إجبار النساء على لبس الحجاب كانت وعودا كاذبة هدفها السيطرة على الحكم في إيران وتبديد ثروة الشعب الإيراني بين الملالي واللصوص والقتلة في الجيش وقوات الأمن وخلق أزمات في المنطقة من اجل تأسيس دويلات إسلامية شيعية تابعة لنظام ولاية الفقيه الديكتاتورية والاستبدادية»، ويقول أيضا: أتمنى من الذين كانوا يحلمون بأن تصبح البحرين جمهورية إسلامية وتسببوا في خلق القلاقل والتخريب والأحداث الدامية كادت البحرين أن تنجرف نحو الكارثة أن يراجعوا أنفسهم وضميرهم والابتعاد عن الأوهام والأحلام الوردية، وأن يفكروا في مستقبل بلدهم وازدهار مملكة البحرين الحبيبة». ومن الشخصيات الوطنية التقدمية التي تحدث عنها ولاسيما تلك أسهمت في تأسيس جبهة التحرير المناضل الوطني محمد كشتي الذي وفي نهاية عام 1961 ألقي القبض عليه مع احد الرفاق وبعد ثلاثة أشهر من الاعتقال تم نفيه إلى إيران بعد فترة غادر إلى قطر وثم سافر إلى الاتحاد السوفيتي للدراسة ليتخرج مهندس بترول وتوظف في أحد المصارف في دبي وبعد فترة ترك وظيفته وأصبح سائق سيارة أجرة. وفي عام 2001 عندما اصدر أمير البلاد قرار العفو عن المعتقلين السياسيين والسماح بعودة المنفيين توفي كشتي في نفس السنة بعد معاناة مع مرض السرطان ولم يتحقق حلمه في العودة إلى البحرين، وكذلك تحدث عن حسن نظام وآرميك منصوريان وعلى مدان وعن مجيد مرهون الموسيقي المبدع قال: «من المفارقات إننا توظفنا في بابكو عام 1959 والتحقنا لجبهة التحرير سنة 1961، واستمرت علاقاتنا الوطيدة حتى دخول مجيد السجن في 1968 وإطلاق سراحه عام 1990 ثم التقينا بعد مدة عندما زارني في منزلي مع زوجته وكان آخر لقاء بمجيد عندما قمت بزيارته في المستشفى قبل ان يفارق الحياة في 23 فبراير 2010. ثم تحدث عن المحرق الذي عاش فيها سنوات طويلة أي ما يقارب 40 سنة وعن هذه المدينة يقول: كانت تربط أهل المحرق علاقات ودية وأخوية وتجمعهم صلات قرابة وصدقات مثالية، ولكن للأسف الشديد بعض العناصر المتشددة من الشيعة والسنة تعمل من اجل زرع الفتنة المذهبية والطائفية، وفي ختام مذكراته تحدث قائلاً: ويأسف المرء عندما يشاهد الحال الذي وصلت إليه البلاد من تفرقة وعنصرية وطائفية وعبارات الشتم والسب التي يتغنى بها المغرضون والعازفون على أوتار الطائفية وأصحاب الأقلام المأجورة، لذا لا بد من وقفة من شرفاء المحرق ومثقفي البحرين من اجل وقف تيار الفرقة والتعصب الطائفي.. والمسؤولية اليوم تقع على كل مثقف، وكل رجل دين مصلح وكل معلم غيور وكل مسؤول وطني محب لوطنه وكل مواطن شريف على هذه الأرض الطيبة من اجل رأْب الصدع وانتشال البحرين من الأزمة الراهنة والعودة إلى ذلك الزمان الجميل الذي كانت البحرين بسنّتها وشيعتها رمزاً للأخوة والصداقة الحقيقية والتسامح بين الأديان والمذاهب.