كعادتها دائماً استبقت دبي الآخرين في استشراف بوصلة المنطقة العربية والعالم خلال عام 2016 على الصعيدين السياسي والاقتصادي وذلك من خلال تنظيمها للمنتدى الاستراتيجي العربي في 15 ديسمبر الجاري واستضافتها لعدد من الساسة والخبراء والمفكرين والاعلاميين البارزين من مختلف الجنسيات تتقدمهم شخصيات بارزة مثل الأمير تركي الفيصل رئيس جهاز الاستخبارات السعودية الأسبق وسفير بلاده الأسبق في لندن وواشنطن، واستاذ العلاقات الدولية في معهد العلوم السياسية في باريس اللبناني غسان سلامة، ومدير تحرير مجلة «فورين أفيرز» جيديون روز، والدكتور لورانس سامرز وزير الخزانة الامريكي السابق، ووزير الخارجية البريطاني السابق وليم هيغ، وأمين عام البنك الدولي محمود محيي الدين وغيرها من الأسماء.
من خلال مشاركتي في هذا المحفل الهام استرعت انتباهي جدارية ضخمة حملت بالتفاصيل والأرقام المطلقة ما تكبده العالم العربي من خسائر جسيمة جراء حماقات ما عرف بـ «الربيع العربي» في عام 2011. وهذه الخسائر، التي وردت مفصلة على لسان الأستاذ محمد عبدالله القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء في دولة الإمارات / رئيس المكتب التنفيذي لسمو حاكم دبي، خلال الكلمة التي افتتح بها أعمال المنتدى بلغ اجماليها 833.7 مليار دولار شاملة 461 مليار دولار كخسائر في البنية التحتية، و289 مليار دولار كخسائر في الناتج المحلي الكلي، و48.7 مليار دولار كخسائر في ايواء ومساعدة اللاجئين، و35 مليار دولار كخسائر في سوق الأسهم والاستثمارات. هذا ناهيك عن الخسائر الأخرى التي اشتملت على تحول أكثر من 14 مليون مواطن عربي إلى لاجئين، وانخفاض عدد السياح المتوجهين إلى البلاد العربية بنحو 103.5 مليون سائح، والتسبب في مقتل 1.34 مليون ضحية، علما بأن كل هذه الأرقام ليست اعتباطية وإنما استندت إلى إحصائيات وتقارير دقيقة من البنك الدولي والأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة ومنظمات أخرى معنية.
نعم! لقد كانت تكلفة «الربيع العربي» باهظة جداً، ولا تزال منطقتنا العربية تعاني من تداعياته المدمرة رغم مرور أربع سنوات على يوم انطلاقه المشؤوم، وذلك في صورة حروب أهلية وأعمال إرهابية وحالة من الفوضى وغياب الدولة لا يدري أحد كم ستطول. وهذا ما عكسته مداخلة البروفيسور غسان سلامة في جلسة «حالة العالم العربي السياسية في عام 2016» حينما قال إن السنة المقبلة ستكون سنة الانتصارات الممنوعة والنزاعات المجمدة (بمعنى أن هناك اتفاقاً ضمنياً بين بعض القوى الكبرى لمنع أي انتصار عسكري واضح يحققه طرف من أطراف النزاعات القائمة، وبالتالي إبقائها مجمدة)، وسنة التسويات المزعجة (بمعنى لجوء أطراف النزاع، من أجل الخروج من مآزقهم، إلى تسويات غير مثالية وضعيفة وقد تواجه المصاعب مستقبلاً)، وسنة النزاعات المستجدة (بمعنى ظهور نزاعات جديدة في المنطقة تلوح اليوم في الأفق بوادرها مثل النزاع التركي الروسي).
واتفق الأمير تركي الفيصل مع ما قاله سلامة لجهة أن هناك توجهاً في العالم إلى إدارة الأزمات بدلاً من حسمها، أي كما في المثال الفلسطيني، لكنه من جهة أخرى توقع استمرار حالة المرض التي يعاني منها العالم العربي، وتعقد الأزمة السورية أكثر من ذي قبل بسبب التدخل الروسي، وعودة العراق الى الحاضنة العربية، وإبداء طهران تعنتاً أكثر من الماضي تجاه جاراتها ودول العالم بعد نجاحها في صفقتها النووية مع الغرب، مشددا على أمرين هما: ضرورة التوصل إلى اتفاق حول حظر أسلحة الدمار الشامل في المنطقة بأكملها، وضرورة تحديد أسباب الإرهاب وليس عوارضه، حيث قال في هذا السياق: «إن لم يكن هناك إصلاح في دمشق ستبقى داعش وغيرها تجد مجالاً لاستقطاب المتطوعين من كل أرجاء العالم، وإن لم يكن هناك علاج للوضع في طرابلس ستستمر ليبيا في أزماتها».
أما وليم هيغ فقد لخص حالة العالم سياسيا في العام المقبل بعناوين محددة منها: تراجع صورة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل ألمانيا وأوروبيا بسبب سياساتها الخاصة باللاجئين وبالتالي تعرض منطقة «الشينغين» لضغوط كبيرة، واستمرار عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي، وتراجع حدة الخلافات بين الغرب وروسيا، وبقاء القضية الفلسطينية على حالها دون حدوث اختراقات مهمة، وظهور تصعيد فيما خص النزاعات في شرق آسيا، وتعرض المؤسسات المالية الكبرى لهجوم اليكتروني ضخم قد ينجم عنه أنهيار مؤسسات عالمية ضخمة، ووصول رئيس أمريكي أكثر ميلاً للتدخل في القضايا العالمية الشائكة إلى البيت الأبيض.
اقتصادياً، أشار المتحدثون إلى جملة من التوقعات في العام القادم، يمكن إيجازها في ما يلي:
– استمرار اكتساب الدولار الأمريكي للمزيد من القوة التي اكتسبها في عام 2015.
– تراجع بعض الاقتصاديات الناشئة واقتصاديات أخرى مثل الاقتصادين الكندي والاسترالي.
استمرار الركود والبطالة في اوروبا لكن دون الوصول الى مرحلة الانهيار.
– تباطوء نمو الاقتصاد الصيني وتراجعه الى 5 بالمائة مسبباً ركوداً محلياً وعالمياً.
– تزايد الضغوط على البلدان النفطية لجهة تنويع اقتصادها واتخاذ قرارات اقتصادية صعبة من أجل مواجهة التحديات الناجمة عن انخفاض أسعار النفط.
– تنافس الشركات الغربية على دخول السوق الإيرانية.
– استمرار الحالة غير الطبيعية للاقتصاد العالمي لفترة طويلة، الأمر الذي يستدعي إيجاد حالة من التمويل المبكر والشراكات بين القطاعين العام والخاص وخفض المصاريف والتكاليف الحكومية والمحاسبة والمساءلة ووضع خطط طوارئ تفترض الأسوأ.