في الفترة القليلة الماضية، شهدت الساحة السياسية والإعلامية الأمريكية حملة انتقادات واسعة للإدارة الأمريكية وللرئيس أوباما شخصيا، بسبب موقف الإدارة المتخاذل من إيران ومن خطرها في المنطقة.
الذي أطلق هذه الحملة هو مواقف وسياسات إيران العدوانية المستفزة المتواصلة في المنطقة عموما، بالإضافة إلى إقدامها على إجراء تجارب إطلاق صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية.
من أهم ما كتب انتقادًا لأوباما وإدارته في الفترة الماضية هو ما كتبته هيئة تحرير صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية في افتتاحية نشرتها قبل يومين تحت عنوان: «إيران تستفزّ العالم وأوباما لا يفعل شيئًا». هيئة التحرير شنت هجوما كاسحا على أوباما بسبب موقفه من إيران. والملفت فيما كتبته أنها تطرح منطقا قويا للغاية يلخص رأي الكثيرين في أمريكا اليوم.
لنتأمل ماذا قالت هيئة تحرير الصحيفة في مقالها الافتتاحي.
تقول في البداية: «إن إيران تتعامل مع الاتفاق النووي الذي وقعته مع أمريكا وحلفائها بطريقة متوقعة تماما.. تسعى جاهدة من أجل تنفيذ الأجزاء في الاتفاق التي تتيح لها الحصول على 100 مليار دولار من الأموال المجمدة وإنهاء العقوبات المفروضة على صادراتها النفطية ونظامها البنكي. وفي الوقت نفسه تقوم بتوسيع أنشطتها العدوانية غير الشرعية في مناطق ومجالات أخرى، وتتحدى الغرب ان يرد عليها».
وتنتقد الصحيفة بعنف رد فعل إدارة أوباما.
تقول انه للأسف، فإنّ رد إدارة أوباما على الاستفزازات الإيرانية جاء متوقعا أيضا، ويتمثل في أن الإدارة تبذل كل ما في وسعها من اجل التقليل من شأن هذه الاستفزازات. وبالتالي فإنها تشجع طهران على ان تتمادى، وان تمارس الضغوط من أجل الحصول على مكاسب أكبر.
وتشير في هذا السياق إلى أنه لا يوجد أي رد أو عقوبات على إيران بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحكم على مراسل الصحيفة في طهران وسجنه.
وتنتقل الصحيفة إلى التطور الخطير الذي طرأ بإجراء إيران تجارب صاروخية. تقول: الأمم المتحدة أعلنت أن إجراء إيران لتجربة إطلاق صاروخ بعيد المدى قادر على حمل رأس نووي في 10 أكتوبر يبلغ مداه 600 ميل، هو انتهاك لقرار الأمم المتحدة الذي يحرم إجراء مثل هذه التجارب. وعادت إيران وأجرت تجربة أخرى في 21 نوفمبر في انتهاك لقرار مجلس الأمن رقم 1929.
وتساءلت الصحيفة: ماذا عن رد فعل الولايات المتحدة على ما فعلته إيران؟
تشير هنا إلى أن الخارجية الأمريكية اكتفت بالقول إنها تدرس النتائج المتوقعة للتجربة الإيرانية. وعلقت على ذلك بالقول إن معنى هذا انه لا يوجد رد أمريكي أصلا. وأشارت إلى أنه حين أجرت إيران التجربة الصاروخية الثانية، اكتفت الإدارة الأمريكية بالقول إنها تحقق في الأمر.
لماذا تتخذ إدارة أوباما هذا الموقف المتخاذل؟
تجيب الصحيفة بالقول إنه ليس من الصعب تفسير هذا الموقف. قالت إن إدارة الرئيس أوباما مترددة في فعل أي شيء يمكن أن يعرقل الاتفاق النووي قبل ان تقوم إيران بتنفيذ التزاماتها.
وتقول إن نفس هذا المنطق هو الذي دفع أوباما إلى غض النظر عن تدخلات إيران الشنيعة في سوريا واليمن وأماكن أخرى في المنطقة.
وتشير إلى أن المسئولين الأمريكيين يقولون إن انتهاكات إيران هذه تجعل من الأهمية بمكان تطبيق الاتفاق النووي. وتعلق الصحيفة على ذلك بأن هؤلاء المسئولين الأمريكيين يتجاهلون الروابط الواضحة بين التجارب الصاروخية وبين طموح إيران في أن تصبح قوة نووية. فالهدف العسكري العملي الوحيد من إجراء هذه التجارب الصاروخية هو اختبار قدرتها على حمل رؤوس نووية. والاتفاق النووي لا يحرم إجراء هذه التجارب، لكن قرارا منفصلا من الأمم المتحدة يحرمها وما زال ساري المفعول.
وتحذر افتتاحية الصحيفة من استمرار هذا الموقف الأمريكي المتخاذل. تقول إن إيران بتجاوزها لقرارات الأمم المتحدة والاستهانة بها على هذا النحو، فإنها تختبر إرادة الولايات المتحدة وحلفائها وقدرتهم على إجبار إيران على التخلي عن طموحاتها النووية.
وتقول إنه إذا لم يكن هناك أي رد عملي جاد، فإنّ إيران سوف تتمادى حتما في اختراق مجالات أخرى، مثل نظام التفتيش.
وفي المحصلة النهائية، تحذر افتتاحية الصحيفة من أن إيران سوف تستفيد استفادة قصوى من خوف أوباما من الإضرار بما يعتبر انه إنجازه الأكبر، أي الاتفاق النووي.
ولكل هذه الأسباب، تقول الصحيفة إن إدارة أوباما يجب أن تتخذ موقفا عمليا حازما الآن ردا على التجارب الصاروخية الإيرانية، بدلا من محاولة إخفائها تحت السجادة.
عرضنا بالتفصيل ما قالته هيئة تحرير الصحيفة الأمريكية على هذا النحو لأنه يلخص كما ذكرنا وجهة النظر التي يتبناها الكثيرون في أمريكا اليوم.
اليوم، كثير من الساسة والنواب الجمهوريين والديمقراطيين ايضا يتبنون هذا الموقف ويوجهون انتقادات لاذعة إلى إدارة أوباما وإلى أوباما شخصيا. والموقف نفسه يتبناه كتاب ومحللون.
من المتوقع أن تتصاعد هذه الحملة ضد أوباما وإدارته في الفترة القادمة لسبب بسيط، هو أن إيران لن تتوقف عن سياساتها العدوانية، وأوباما لن يفعل شيئا.