«طعنة الخنجر» التي تلقّاها «القيصر« فلاديمير بوتين من «السلطان» رجب طيب إردوغان، لن تقتله، لكنها قاسية جداً، خصوصاً وأنها كانت مفاجئة وأنتجت انقلاباً في كل حسابات الكرملين من الحرب في سوريا، ووضعته في زاوية خياراتها العديدة، كل واحدة منها أقسى وأدق وأكثر حساسية من الأخرى. أصعب ما في كل ذلك، وقوف «القيصر» أمام خيارين كلاهما أصعب من الآخر، هما:
الرد على «السلطان« ورسم خط أحمر أمامه بالصواريخ والطائرات، أو «بلع الموس»، لأن الحرب في سوريا لا تحتمل حرباً داخلية بين الأطراف والقوى الخارجية.
في المواجهة الجوية بين «القيصر» و»السلطان«، سقط «جريح« لم يتم التركيز عليه كثيراً مع أنه طرف أساسي في الحرب السورية. المرشد آية الله علي خامنئي، خرج من المواجهة «جريحاً» غير معلن.
قبل 24 ساعة من المعركة الجوية، كان «القيصر» في ضيافة المرشد الذي رحب به كما لم يرحب بضيف زاره. المباحثات تناولت أصل الأزمة السورية ومستقبل العلاقات الثنائية. تأكد للطرفين، أن كلاهما بحاجة للآخر في سوريا، لذلك يجب مراعاة كل طرف لحسابات الآخر.
طهران التي فوجئت بدورها بالصدام الجوي، وقفت حائرة بين حاجتها للحليف القادم من الجليد، والشريك في الجغرافيا والهموم الإقليمية وحتى الداخلية من مسألة الأكراد المشتركة والخطيرة. المرشد يريد تأكيد علاقته الجديدة مع «القيصر»، لكنه لا يستطيع أن يغفل ولا أن يتخلى عن علاقته القديمة مع «السلطان». الجغرافيا والتاريخ يقيدان حركته مهما أراد أن يكون حيادياً. ما زاد من منسوب دقة موقف المرشد، «كرة النار» السورية. يعرف المرشد أن الوضع في سوريا لم يعد فقط محصوراً بالحرب، بدأت مرحلة البحث عن حلول سياسية، العالم كله تعب من «كرة النار» السورية، لا بل بدأ يشعر بالخطر الداهم والاستراتيجي بسبب «داعش» وتمدد حركته الإرهابية وغدرها بالمجتمعات الآمنة في أوروبا اليوم، وغداً في الولايات المتحدة الأميركية متى شعر أن ساعته قد دقت.
في طهران، بدا حجم القلق والتردد والانقسام مما حدث في قلب «المربع السوري الإيراني«، كبيراً. الأسوأ أن ردود الفعل أكدت من جديد أنه لم يعد الصوت واحداً داخل طهران. التعددية في الأصوات قد يقال انها من طبيعة التمهيد للعب دور قوي في المفاوضات، لكن وإيران على أبواب استحقاق داخلي مصيري هو الانتخابات التشريعية والخبراء، وإعلان هاشمي رفسنجاني ترشحه، تصبح هذه التعددية مربكة لأنها صوتان في صوت واحد.
الصوت الأول المتشدد والمنحاز عملياً الى «القيصر» أكثر مما هو وفاقي. تصريح المستشار العسكري الأول للمرشد الجنرال صفوي: «إن للعملية تبعات استراتيجية لأنه وقع نتيجة خطأ استراتيجي (من جانب تركيا. يعني ان صفوي يحمّل تركيا مسؤولية ما وقع وما سيقع).
ما يؤكد هذا التوجه التعليق الذي نشره الإعلام الإيراني الرسمي. يؤشر التعليق الى أن طهران مستهدفة «تُركيًّا« من العملية:
[ «لم يكن للطائرة الروسية أي نيات عدوانية«. [ «تلقت تركيا ضوءاً أخضر أميركياً كبيراً كما يبدو وذلك لوقف اندفاع موسكو في سوريا». [ «ليس صدفة أن تقع العملية بعد يوم واحد من زيارة بوتين لطهران». [ «إن أيام إردوغان لن تكون كما كانت قبيل العملية. وإن تركيا لا طاقة لها على تداعيات هذا الحادث، خصوصاً وأن موسكو لن تقدم على رد فعل متسرّع«.مقابل هذا التشدد قال الرئيس حسن روحاني خلال انعقاد مجلس الوزراء:
[ «روسيا وتركيا بلدان جاران وصديقان لإيران، ونحن لا نرضى بنشوب أي خلاف بين جيراننا». [ «لا نريد وضع عقبات في علاقاتنا مع الجارتين لأن ذلك لا يصب في مصالحنا والمنطقة لذلك يجب العمل على ضبط النفس وبالتالي العمل بين الشقيقتين المتجاورتين على إيجاد حل للمشكلة باعتماد الحكمة وضبط النفس».وسط هذا التجاذب في المواقف الإيرانية، طفا على السطح، التنافس الروسي الإيراني في سوريا، ما يؤكد أن في قلب التعاون الى حد التحالف بين موسكو وطهران لإنقاذ وجودهما في سوريا، تنافساً حاداً وعميقاً يتم تظهيره أحياناً في رسائل ميدانية. الطيار الروسي الذي أنقذ، لم يعد أحد بالضبط يعرف من أنقذه. السوريون أم الروس أم الإيرانيون وتحديداً الجنرال قاسم سليماني و«حزب الله». طهران أرادت تأكيد موقعها في سوريا من جهة وتكذيب خبر إصابة الجنرال سليماني فأعلنت أن سليماني هو الذي قاد عملية مدروسة لإنقاذ الطيار الروسي شارك فيها ستة مقاتلين من كومندوس «حزب الله» و60 جندياً سورياً. وليس كما قيل إن الكومندوس الروسي هو الذي انفرد في تنفيذ العملية.
ما جرى حتى الآن بداية. الازدحام القائم والمتزايد من القوى الاقليمية والدولية، لا بد أن يدفع نحو حوادث بعضها مخطط لها عن سابق تصور وتصميم، وبعضها مفاجئ خصوصاً وأن كل الأجواء تؤشر الى تصعيد عسكري غير مسبوق كما جرت العادة في كل الحروب قبل الدخول في مرحلة المفاوضات الصعبة حيث كل طرف يسعى إلى تحسين مواقعه ميدانياً تمهيداً للحصول على حصة تتناسب مع إمكاناته وطموحاته.
وسط النار السورية سيبقى المرشد في وضع صلب ودقيق وممزق بين «القيصر» و«السلطان»، خصوصاً إذا وقع صدام جديد وهو الذي بحاجة لهما لإنقاذ «أسده».
*نقلاً عن صحيفة “المستقبل”