تحدثت في المقال السابق عن حملة الانتقادات هذه الأيام في أمريكا لإدارة أوباما بسبب موقفها المتخاذل من إيران ومن استفزازاتها وسياساتها العدوانية في المنطقة.
الكثيرون في أمريكا من ساسة وإعلاميين وباحثين أصبحوا اليوم وبشكل متزايد يطالبون الإدارة الأمريكية بتغيير مواقفها وسياساتها وباتخاذ موقف حازم في مواجهة إيران وعدوانيتها وتصرفاتها في المنطقة. يطالبون بهذا من منطلق المصالح الأمريكية في المنطقة.
من أهم ما نشر مؤخرا في أمريكا في هذا السياق تقرير استراتيجي أمريكي في غاية الأهمية، التقرير يوجه انتقادات حادة لإدارة أوباما ومواقفها ويدعو إلى ما أسماه «سياسة احتواء جديدة» في مواجهة إيران.
لنتأمل ماذا يقول التقرير.
بداية، يعتبر التقرير أنه أصبح من الواضح الآن أن المنطقة والولايات المتحدة أيضا تدفع ثمنا فادحا للاتفاق النووي مع إيران، وتحديدا تدفع ثمن الخطأ الفادح بالفصل بين الاتفاق النووي وبين إطاره الاستراتيجي والأوضاع العامة في المنطقة واستراتيجة إيران وسياساتها.
يقول التقرير إنه بغض النظر عن الاتفاق النووي في حد ذاته بتفاصيله المختلفة، القضية الجوهرية هنا أن الاتفاق لم يترافق معه أي استراتيجية لمراقبة إيران وتصرفاتها في المنطقة بعد الاتفاق وبعد رفع العقوبات عنها. ومن الواضح أن هذا أدى إلى مشاكل كبرى في الشرق الأوسط.
يشير التقرير إلى سياسات وتصرفات إيران التدميرية في المنطقة والتي تشيع الفوضى وعدم الاستقرار. ويقول إن الوضع الحالي يحتم ضرورة صياغة واتباع سياسة احتواء جديدة ضد إيران للحد من دورها المدمر في الشرق الأوسط.
ويذكر أن سياسة الاحتواء الجديدة هذه يجب أن تحترم الاتفاق النووي حيث إنَّه أصبح أمرا واقعا سواء أعجبنا الأمر أم لا. لكن في نفس الوقت، يجب أن يعي الجميع أن هناك سياسيات وتصرفات تقدم عليها إيران في المنطقة، لو أن أي دولة أخرى في العالم أقدمت عليها، لكان هناك رد قوي عليها.
وفق سياسة الاحتواء التي يقترحها التقرير، يجب إفهام إيران بشكل واضح وقاطع وجاد أن سياساتها وتصرفاتها الإقليمية مرفوضة، وأن دعمها للإرهاب في المنطقة لن يمر من دون حساب.
المشكلة في رأي التقرير أن إدارة أوباما من الواضح أنها اكتفت بتوقيع الاتفاق النووي، واعتبرته بمثابة أكبر إنجاز لها في السياسة الخارجية، لكنها لا تمتلك أي استراتيجيه للتعامل مع أوضاع ما بعد الاتفاق.
يقول التقرير: لقد أظهرت إيران للعالم كله أنها لا تكن أي احترام للأمم المتحدة وقراراتها، ولا تكن حتى احتراما للاتفاق النووي ذاته، وذلك بعد أن أقدمت على إجراء التجارب الصاروخية. أظهرت إيران للعالم أنها لا تعتزم على الإطلاق التصرف بأي قدر من الإحساس بالمسئولية تجاه منطقة مضطربة بالفعل.
ويضيف أنه إذا كانت الولايات المتحدة جادة فعلا في محاربة الإرهاب، فيجب على الأقل أن تتعامل مع الأسباب المباشرة لهذا الإرهاب، وأن تبذل جهدا جادا لمحاربة هذه الأسباب. يقصد هنا بالطبع أن إيران وما تفعله من الأسباب الرئيسية للإرهاب في المنطقة.
ولهذا يؤكد التقرير أنه آن الأوان للسياسة احتواء جديدة لمنع إيران من التصرف بهذا الشكل التخريبي اللامسئول في المنطقة.
ويقول إن هذه القضية يجب أن تكون موضع اهتمام ونقاش في أمريكا وخصوصا في الكونجرس.
ويعتبر أنه إذا كانت أمريكا جادة في هذه السياسة الجديدة، فمن شأن ذلك أن يدعم مواقف المعتدلين في إيران في الداخل في مواجهة الحرس الثوري والقوى المتطرفة الأخرى.
هذا ملخص ما ذكره التقرير الاستراتيجي الأمريكي.
مرة أخرى، السؤال هو: هل من الممكن أن تستجيب إدارة أوباما لمثل هذه الدعوات بتغيير سياستها وأن تقرر التصدي لإيران وعدوانيتها وإرهابها في المنطقة؟
الجواب هو: لا.
الحقيقة إن أوباما حزم أمره بالتواطؤ مع إيران ومع عدوانها وسياستها الإرهابية التوسعية في المنطقة كجزء من استراتيجيه إدارته تجاه المنطقة العربية.
التقرير نفسه في الوقت الذي يدعو فيه إلى تغيير السياسة الأمريكية، يلمح إلى أن هذا أمر غير وارد.
يقول التقرير: الحقيقة إن سياسة الرئيس أوباما في الشرق الأوسط، هي بمعنى من المعاني، استمرار لسياسة الرئيس بوش. الاثنان نشرا بذور الفوضى، كلٌّ على طريقته. وكلاهما مهد الطريق أمام العنف والسلطوية لا أمام الديمقراطية والسلام.
هذه هي الحقيقة بالفعل. جوهر استراتيجية أمريكا في المنطقة هي نشر الفوضى. وتواطؤها مع إيران يندرج في إطار هذه الاستراتيجية.