في الكتب القديمة تُعرف سيناء بأنها “ارض الفيروز”، لم يكن أحد يتوقع ان تصبح ارض الدم، أنا لا أتحدث هنا عن فاجعة إسقاط الطائرة الروسية بقنبلة جنوب سيناء كما ترجح كل التحقيقات فحسب، بل ايضاً عن العمليات العسكرية التي اضطر الجيش المصري الى تنفيذها تكراراً ضد الإرهابيين في شمال سيناء.
ما هو أسوأ من الأمرين ان جريمة إسقاط طائرة مدنية روسية أو غير روسية قد لا تكون الأخيرة، كما ان اضطرار الجيش المصري الى القيام بعمليات ضد الإرهابيين لن ينتهي غداً بالتأكيد، ما يزيد من ثقل المأساة ان الفجيعة بالضحايا البريئة تتداخل مع الفجيعة المتزايدة بالوضع الاقتصادي المصري، الذي يعاني بغض النظر عن الآثار المدمرة للحادث على حركة السياحة التي تمثل ١٦٪ من الدخل القومي، وخصوصاً عشية أعياد رأس السنة!
يكفي ان نتوقف أمام الأرقام، فعندما تكون موسكو منهمكة بإجلاء ٧٨ ألف روسي من شرم الشيخ وتكون بريطانيا منهمكة بترحيل ٢٠ ألفاً، يأتي إعلان فرنسا وبلجيكا وإسبانيا وقف الرحلات الى مصر، واذا تذكرنا ان عدد الروس الذين زاروا مصر العام الماضي وصل الى ثلاثة ملايين، لن يكون من المبالغة القول ان فاجعة إسقاط الطائرة الروسية عمّقت جروحاً غائرة أصلاً في الاقتصاد المصري، الذي ليس سراً انه تنفس الصعداء في العامين الماضيين عبر المساعدات السعودية والخليجية تحديداً!
مساحة سيناء ٦٠ الف كيلومتر مربع وهي تشكل مفصلاً حيوياً في الشمال الأفريقي، وإذا كانت تحديات الجيش المصري في شمال سيناء كبيرة، فإنها في الجنوب تكاد تكون مستحيلة، للطبيعة التي يخال البعض أنها صحراوية، ناسياً مثلاً ان جبل موسى يرتفع ٢٢٨٥ متراً وان جبل القديسة كاترين يرتفع ٢٦٣٨ متراً بما يجعل تعقب الإرهابيين في تلك المناطق مهمة مستحيلة تقريباً. واذا تذكرنا فلتان الوضع الليبي وما يمكن ان يَرفد به التنظيمات المتطرفة هناك بالأسلحة المبعثرة من ترسانة القذافي، يصبح من الصعب فرض هيمنة فعلية هناك!
واذا كان مثل هذا الأمر يمثل تحدياً للحكومة المصرية، فإن جريمة تفجير الطائرة الروسية تمثل تحدياً أوسع وأكبر بالنسبة الى فلاديمير بوتين. صحيح ان الأنباء تُجمع حتى الآن على انه لا يستهدف “داعش” في عملياته الجوية في سوريا، لكنه لا ينسى انه من حلب الى القوقاز تترامي جغرافية مترامية تتعبّأ الآن بالكراهية المتصاعدة ضد روسيا التي كانت لها تجربة سابقة مؤلمة في افغانستان.
هناك فارق كبير بين “غزوة القاعدة” لنيويورك، وإسقاط الطائرة الروسية طبعاً، وعلى رغم ان الائتلاف الدولي يسابق بوتين في محاربة “داعش” والإرهابيين، غير ان حسابات موسكو بعد فاجعة الطائرة يفترض ان تكون قد وضعت على الطاولة!
* نقلا عن “النهار”