على غرار ما كانت تفعله التنظيمات الفلسطينية “الميكروسكوبية” في نهايات ستينيات وبدايات سبعينيات القرن الماضي، التي أُوجِدت كي تشاغب على حركة فتح وعلى بقية الفصائل الرئيسية، فإن تنظيم “داعش” بات يسارع إلى تبني أي عملية إرهابية مفاجئة، حتى إن وقعت في جزر “الماو ماو”، التي لا يعرف إن كانت موجودة بالفعل أم ان هذا الاسم قد اخترع اختراعاً للإشارة إلى “البُعد” والمستحيل، والدلالة على الذهاب بعيداً في المبالغة والتعجيز!
آخر ما بادر إليه “داعش” هو عدم إعطاء نفسه ولو قليلاً من الوقت كي يعرف أو يتعرف على ظروف وأسباب ومسببات إسقاط أو سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء المصرية، والمسارعة لتبني هذه الجريمة، وادعاء المسؤولية عنها، وهذا كان فعل هذا التنظيم مرات عدة وفي مواقع وبلدان لا وجود له فيها إطلاقاً، حسب التقديرات والمعلومات الأمنية والاستخباراتية المتداولة.
هناك في سيناء هذه ظهر سابقاً في فترة حكم الإخوان المسلمين، القصير العمر، في مصر، وقبل ذلك بقليل اسم “أنصار بيت المقدس”، وأغلب الظن أن هذا الاسم الذي أعلن التحاقه بـ”داعش” كان اختراعاً “إخوانياً”، ويقال أيضاً إن إيران شاركت في “اختراعه” للتغطية على العمليات التي يقال إن حركة حماس قد دعمت أو شاركت في بعضها، وهذا ينطبق على حركة الجهاد الإسلامي، وبعض الفصائل الصغيرة التي بعضها “عائلي” فقط، والتي ظهرت في قطاع غزة بعد انقلاب حركة المقاومة الإسلامية على “فتح” والسلطة الوطنية الفلسطينية عام 2006… والعلم عند الله!
ربما لم يكن “داعش” في البدايات المتقدمة جداً هو هذا الـ”داعش” الذي نراه ونسمع به، فقد كان امتداداً لما أسماه أبومصعب الزرقاوي الدولة الإسلامية في بلاد الرافدين… أو في العراق، لكنه ما لبث أن تعرض لاحقاً لعمليات اختراق قامت بها دول وجهات متعددة، وبخاصة أن “التجنيد” بالنسبة لهذا التنظيم أصبح من خلال الشبكة العنكبوتية “الإنترنت”، ومن خلالها أعلنت تشكيلات فعلية ووهمية انضمامها إليه، وإعلان قيامها بعمليات فعلية أو غير فعلية باسمه… والغريب أنه دأب على قبول كل هذا بدون أي تدقيق أو مراجعة.
وهنا فإن الثابت والمؤكد أن المخابرات السورية ومعها المخابرات الإيرانية والروسية والتركية أيضاً قد اخترقت هذا التنظيم بالطول والعرض، والدليل أنه قام بسلسلة من الإعدامات الجماعية لبعض منتسبيه تحت عنوان هذه “التهمة”، أي تهمة التجسس، والدليل أيضاً أن العديد من العمليات التي نسبت إليه، أو هو نسبها إلى نفسه، لم تخدم إلا نظام بشار الأسد الذي ادعى مبكراً أن الأولوية في سورية يجب أن تكون ليس لـ”الإصلاح” وإنما لمقاومة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية.
حتى الآن لم يقم نظام بشار الأسد بأي عمل جدي ضد هذا التنظيم، وهو، أي هذا النظام، كان قد سلم الرقة ودير الزور وتدمر إليه تسليماً، إلى “داعش”، وهذا علاوة على “تسريبه” إلى مخيم اليرموك ومنطقة الحجر الأسود في ضواحي دمشق، ومحاولات “تسريبه” إلى الجبهة الجنوبية على الحدود السورية – الأردنية، وكل هذا بهدف إقناع كل من يتابع تطورات الأزمة السورية بأنه أمام خيارين، إما هذا الحكم الاستبدادي وإما “داعش”، وحقيقة إن هذا ما يطرحه الروس الآن، وما كانت طرحته إيران مبكراً ولا تزال تطرحه وتتمسك به حتى الآن.