في ظل التحولات الإقليمية على ساحة الصراع في الشرق الأوسط بدأت تظهر ملامح مد وجزر خفي بين حركة حماس وإيران ، ففي الماضي كانت إيران تقدم الدعم اللامتناهي لحركة حماس وعلى كافة الصُعد من السياسي مروراً بالعسكري ووصولاً إلى الإعلامي واللوجستي, ولم يكن هذا خفياً ، لكن ما كان الخفي هو ما السبب الحقيقي وراء هذا الدعم ..
حركة حماس تنظر لهذا الدعم على أنه واجب ديني وأخلاقي يفرضه الوضع الحالي لفلسطين وغزة خصوصاً , و إيران تنظر إليه على أنه دعم لحركات الممانعة والمقاومة في وجه قوى الظلم والاستبداد, لكن هذه ليست حقيقة الدعم الإيراني لحماس , لننظر ..
منذ اندلاع الثورة السورية تقـدم إيران وحليفها الاستراتيجي حزب الله الدعم الكبير والمتواصل واللامحدود بالأموال والسلاح والأرواح و…. إلخ لنظام بشار الأسد في محاولة منها لمساعدته على البقاء قائماً في ظل موجة الغضب الشعبي التي يواجهها الأسد , بينما التزمت حركة حماس سياسة النأي بالنفس وعدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية بل ويُظهر بعض قادتها الدعم المعنوي للثوار السوريين كرئيس حكومة غزة إسماعيل هنية حينما حيى ثوار سوريا من الأزهر الشريف ولم يكن يخفى هذا من خطاباته خصوصاً التي كان يلقيها في المساجد .
وبالطبع فــإن هذا الموقف الذي أبدته حركة حمـاس بالتنصـل من دعـم نظـام الأسـد خلافاً لما فعله حزب الله وغيره ممن تدعمهم إيــران, كـان هـذا دافعاً لتحـول مهـم في علاقـة حـركة حمـاس بـــإيران حيث تظهر التقاريـر فقـدان حـركة حمـاس للدعـم الإيـرانـي الذي كـان يصلهـا مسبقـاً , وأصبحـت حـركـة حمـاس تعيـش في ضائقـة ماليـة واضحـة بعـد توقـف الدعـم الإيـرانـي لهـا علـى خلفيـة مـوقـفـها من الثورة السوريـة , ما يدل على ذلك هو حالة الاختناق التي يعيشها أهـل غزة بسبب كثرة الأعبـاء الماليـة مـن الضرائـب والرسـوم والجمـارك وغيرها التي أصبحـت وسيـلة جديدة لحكـومـة غـزة لجمـع الأمـوال, في محـاولـة لمـلئ الفـراغ المـالي الذي سببـه توقـف الدعـم الإيـراني , كما وحاولـت حـركة حمـاس مـن خـلال الزيـارات العديدة التي أجـراها قادتـها وعلى رأسهـم رئيـس الحكومـة في غـزة إسماعيـل هنيـة للعديـد من الدول العربية خاصـةً دول الخليـج العربي كالبحريـن وقطـر والكويـت, ودول الربيـع العربي أيضاً كـمصـر وتونـس حاولت من خلالها استبـدال الدعـم الإيـراني المفقـود بدعـم عـربي وشـعبي .
كما يظـهر الاختـلاف المذهبي بين حـركة حمـاس وإيـران عامـلاً رئيسيـاً آخـراً لوصـول العلاقـات بين الأخيرتيـن إلى عـلاقة مـد وجـزر وقد تتطـور هذه العلاقة إلى أسـوأ من ذلك , حيث أن من المعـروف أن إيران هي الأم والحاضنـة للمذهب الشيعي على مستـوى العالـم أجمـع, ومن المعـروف أيضـاً أن حـركة حمـاس هي حـركة منبثقةٌ عـن جماعة الإخـوان المسلمـين التي هي بطبيعة الحـال ” جماعة سُنية بحتة ” , حيث إن محـاولات إيــران لدس التشيـع في غـزة باستـخدام الوسائـل الناعمة مع حـركة حمـاس قوبـل بالرفـض التـام من قبـل حمـاس ولا أدل على ذلك من رفـض حـركة حماس مبـادرةً إيرانيـة لإنشـاء مستشفى في غزة يحمـل اسـم ” مشفى الخمـيني ” ورفـض إسماعيـل هنيـة أداء الصـلاة بالكيفيــة ” الإيرانيـة أو الشيعيـة ” حينمـا كـان يصلي في مسـاجـدها أثناء زياراتـه لإيــران , وقد بلـغ الخـلاف حداً أصبـح فيـه ظاهـراً وجليّاً للمتابعـين , حيث أصبـح لـ ” يوم القدس العالمي ” قصته الخاصة بين حماس وإيران , فبينمـا كانت حركة حماس تشارك بشكل واسع على الصعيد الشعبي والرسمي في احتفالات ومسيرات ” يوم القدس العالمي ” في الأعوام الماضية , فــإن هذا العـام شهـد تحولاً واضحاً من جهة حركـة حماس , فقد غاب الحضور الشعبي والرسمي كلياً عن هذه الاحتفالات والمسيرات هذا العـام , ومن المعروف أن ما يسمى بـ ” يوم القدس العالمي ” الذي يصادف الجمعة الأخيرة من رمضان من كل عـام هو يومٌ دعا إليه الزعيم الإيراني ” الخميني ” إبـان ثورته على نظام الشاه عام 1978م, أي أنه يوم مقدسٌ للطائفة الشيعية ولا يمد للطائفة السنية بشيء , وقد بدت العقدة في هذا الموضوع أوضح حينما أعلنت حركة حماس عن تنظيم مهرجان خاص بالقدس والمسجد الأقصى على غرار احتفالات ” يوم القدس العالمي ” في الثلاثين من آب/أغسطس من العام 2012م , وبدا الأمر وكأنه تحدٍ بين حماس وإيران ,كما ورفع علم الثورة السورية لأول مرة في مهرجانات حركة حماس في هذا المهرجان , ولم يقف الأمر على هذا فحسب , بل ما زاد من هذا هو واقعة ” دعوة مؤتمر عدم الانحياز ” التي وجهتها إيران لحركة حماس للمشاركة في مؤتمر قمة عدم الانحياز في الثلاثين من آب/أغسطس 2012م , حيث قالت حكومة غزة بأن رئيس الوزراء إسماعيل هنية قد تلقى دعوةً للمشاركة في المؤتمر وأنها حظيت بالترحيب والقبول لدى هنية , ولكن سرعان ما كذبت المصادر الرسمية الإيرانية حماس وأعلنت أنها لم تدعُ هنية للمشاركة في المؤتمر , إلا أن حماس تداركت الأمر وقالت بأن هنية قد اعتذر عن حضور المؤتمر حفاظاً على المصالحة الفلسطينية وعدم تكريس الانقسام وأيضاً بسبب ما يجري على الساحة السورية .
إن مستقبل العلاقات ما بين حركة حماس وإيــران هو مرهون بعدة عوامل من أهمها الثورة السورية ومآلاتها , وسياسة التقارب بين حركة حماس والوسط العربي المحيط الذي بات واضحاً جداً بعد ثورات الربيع العربي خصوصاً مع مصر وتونس ودول الخليج العربي, الذي بدأت علاقة حماس به تنمو شيئاً فشيئاً وإن كان هذا النمو بتباطؤ فإن هذا النمو ذو علاقة عكسية مع علاقة حماس بإيران, أي أن نمو علاقة حماس مع دول الخليج العربي هو على حساب علاقتها بإيران على اعتبار الخلاف بين دول الخليج العربي وإيران, فزيادة التقارب مع دول الخليج يزيد التباعد مع إيـــران التي تحاول أن تعبث بــــأمن الخليج العربي من خلال إذكاء نار الفتن في هذه الدول وخصوصاً البحرين والسعودية .
كل هذا يدل على أن العلاقة الإيرانية – الحمسـاويـة مجـرد عـلاقـة تقـارب أهـداف لا أكثر , وأن حمـاس مصممـة على ألا تـكـون ورقـة إيرانيـة في المنطقـة و أن تكـون خاضعـة لهـا علـى الدوام, كمـا هـو حـال حـزب الله وحـركـة الجهـاد الإسـلامـي, كمـا أن هــذا المتغـيرات التي طـرأت علـى علاقـة حمـاس بـــإيران لهـو مـؤشر علـى أن هـذه العلاقـة متـجهـة لأن تـكـون عـلاقـة عـاديـة وليسـت عـلاقـة تـحالـف كمـا في السـابـق, وأن حـمـاس مـلتزمة ببرامجهـا القـومـيـة والوطنيـة, وهـي لا تسمـح بـأن تـكـون تـبعـية بــل هي تستفـيـد مـن المتـغـيرات في المنطقـة لصـالـح تـحـقـيـق أهـدافـهـا الأسـاسـيـة وليســت في طـريـقٍ لتغييــر هـذه الأهـداف .
حماس وإيران .. علاقة المد والجزر
بقلم : مصطفى البنا