يبدو ان التدخل الروسي في سوريا قد أضر بالمصالح الأمريكية في المنطقة وغيّر حسابات ومعادلات إقليمية ودولية.
ولهذا نرى الضجة صاخبة ضد الروس منذ ان قرروا انقاذ الأسد المسؤول عن الصراع الطائفي وقتل الشعب السوري بالبراميل المتفجرة والتدخلات الخارجية في سوريا وقرروا حماية الدولة من الانهيار والتفكك حتى لا تتكرر التجربة الليبية، هذا ما يقوله الروسي في أكثر من مناسبة! وهذا لا يعني ان الروس ليس لهم مصالح استراتيجية تعزز وجودهم وخصوصاً في الوقت الذي يحتاج العالم فيه إلى تعدد الاقطاب بعد ان ساد القطب الواحد الذي أخل بالتوازن الدولي وبمصالح الشعوب في الحرية والديمقراطية والتقدم، في ظل المخططات الامريكية الرامية إلى تفتيت وتقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات راهنت واشنطن في تحقيق ذلك على الاسلام السياسي الخميني والاخواني!
وعن الأهداف الروسية هناك أكثر من رأي وتحليل وهو ما أشار إليه الكاتب حسين عبدالرزاق في جريدة الأهالي المصرية – فأندريه ميجرانيان – خبير السياسات الخارجية في مجلة «ذي ناشيونال إنترست» الأمريكية ان أهداف بوتين من التدخل في سوريا تتلخص في ثلاثة أهداف:
– تقوية نظام الرئيس السوري بشار الأسد الذي لا يوجد له بديل حتى الآن.
– دعم القوات البرية السورية والإيرانية والعراقية التي تستعد لشن هجمات مضادة داخل الأراضي السورية.
– مواجهة المتطرفين الذين سبق ان شكلوا مشكلة لروسيا والاتحاد السوفيتي السابق، والذين يقاتلون الآن في سوريا وسط الخشية من عودتهم ونشرهم الفوضى في روسيا نفسها.
في حين تقول هالة مصطفى في الاهرام: ان هذا التدخل يتعلق بتواجدها الجديد في الشرق الأوسط وتغيير نمط سياستها الخارجية في عهد بوتين.. ولتصبح روسيا بتدخلها العسكري هي الفاعل الرئيس وربما الأقوى الذي لا يمكن تجاهله، بل وقد تمتلك القول الفصل في الأزمة من وجهة نظرها.
ويقول الكاتب «ايفان كراستيف» في النيويورك تايمز، ان الرئيس بوتين يحاول تلقين الغرب درساً في سوريا ويسعى لاذلال اوباما والحاق الضرر بسمعة الولايات المتحدة على المستوى الدولي.
ويقول وزير الخارجية المصري السابق «نبيل فهمي» ان دخول روسيا يرتبط بوجود فراغ وفشل الولايات المتحدة في التعامل مع الملف السوري على مدى السنوات الأربع أو الخمس الأخيرة، وانكماش امريكا في الشهور الستة الأخيرة مع بدء مرحلة التجهيز لانتقال السلطة مع الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2016، ودخول الروس جاء لملء الفراغ الذي خلقته السياسة الأمريكية وخشية من التطرف والإرهاب، وهو تمهيد لمرحلة تفاوض، مع أهمية الحفاظ على سوريا ككيان ودولة.
وهناك من يرى ان اطرافاً عسكرية تدخلت في سوريا كتدخل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة اليومي بدون موافقة النظام تحت مزاعم محاربة داعش، فالتدخل العسكري بموجب التعريف نفسه يحدث عندما يتم بالقوة المسلحة دون موافقة النظام الحاكم، اما الدور الروسي الداعم لنظام الأسد فيسمى دعماً عسكرياً في مواجهة الإرهاب بالمعنى المقصود طبقاً لنظام الأمم المتحدة.
ولكن ما يمكن قوله إذا كان التدخل الروسي في سوريا – وهذا صحيح – يبحث عن موطئ قدم في الشرق الأوسط فان هذا التدخل كشف عن زيف وتعدد الأقنعة التي «ترتديها» الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب وعلى وجه التحديد داعش! ولا يمكن لمراقب ان يتجاهل كيف كانت امريكا ولاتزال المسؤولة عن دعم الجماعات الإرهابية سواء كان في افغانستان ضد الاتحاد السوفيتي السابق أو في مصر في عهد الاخوان أو في اسرائيل بهدف دعم ومساندة قدرتها العسكرية لمواجهة نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه الوطنية المشروعة، وفضلاً عن هذا وذاك فشلها وهي تقود التحالف الدولي في مواجهة الارهاب أو بالأحرى ضد داعش الذي لم يأت تمدده من فراغ، بل ضمن حسابات امريكية مدروسة تعزز وجود هذا التنظيم!.
ومن جملة ما كشفه التدخل الروسي في سوريا ليس فقط كما يقال ويردد ان من اهداف تدخلها تجربة السلاح الروسي، بل دعم أهداف ايرانية معلنة وغير معلنة، وبصريح العبارة اصبح التدخل غطاءً للهيمنة الإيرانية وهو ما يشكل تهديداً لدول المنطقة، كما ساهم في تعزيز سياسة إيران التوسعية التي تأخذ ابعاداً خطيرة ضد جيرانها وضد دول عربية اصبحت في حكم سيطرتها!.
وبإيجاز انها لعبة المصالح وهي لعبة اساسها الكيل بمكيالين وخلط الأوراق وتبادل الأدوار في ظل غياب الإرادة الدولية!.