الأزمات والصراعات في ديارنا متصلة بعضها ببعض.
ما يجري في سوريا والعراق واليمن ولبنان، بل وحتى ليبيا ومالي والنيجر، بل وحتى الشيشان وداغستان، يؤثر بطرائق متعددة على الكل. إيران مثلا في حالة صيال وهيجان واحتشاد في كل من العراق وسوريا بصيغة مباشرة، وفي اليمن من خلال احتضانها ودعمها للحوثي وحليفهم صالح، بالمال والسلاح والإعلام والآيديولوجيا.
روسيا مهمومة بالهاجس الأمني والخوف من حركة الشعوب المسلمة في داخل الاتحاد الروسي أو في محيط الكومنولث الروسي، وهذا السبب هو الدافع الرئيسي لتدخلها في بلاد الشام، وليس الطمع الاقتصادي أو التقدم الاستراتيجي على البحر الأبيض المتوسط، وليس معنى ذلك نفي وجود هذه الأسباب، لكنه يعني أنها تأتي تالية للسبب الأمني والهاجس القومي.
هناك لقاء مصالح بين إيران وروسيا في المنطقة، فكلتاهما تدعم نظام الأسد، وإن كانت الدوافع مختلفة، وكما قال الأستاذ غسان الإمام في مقالته الأخيرة، فروسيا تريد نظاما علمانيا في سوريا، بينما ملالي إيران ومؤدلجو الحرس الثوري الإيراني يريدون نسخة، ولو مخففة، من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وحزب الله اللبناني جاهز للمساعدة، ومثله الأحزاب الشيعية العراقية.
من هنا يصبح كسر حلقة من حلقات الأزمات هذه، له تأثيره ولو كان غير مباشر على غيره.
في اليمن تحقق قوات التحالف بقيادة السعودية تقدما كبيرا ومنهجيا.. صحيح أنه تحصل بعض الحوادث المزعجة مثل استهداف مقر الحكومة في عدن بقذائف حوثية أو صالحية، لا فرق، وهناك من يقول إنها قذائف داعشية.. أيضا لا فرق، لكن المهم أن هذه الحوادث يجب ألا تصرف النظر عن الصورة الكبرى، وهي انكسار المشروع الإيراني باليمن، مما يعطي قوات التحالف العربي الخليجي في المقام الأول، خاصة السعودية والإمارات والبحرين، قوة دفع وثقة تستثمر في بقية الملفات الإقليمية الحرجة.
من دلائل الاتصال بين الأزمات هذه، ما ذكر في الأخبار من أن وفدا حوثيا زار مؤخرا أمين حزب الله اللبناني حسن نصر الله طلبا للعون والمساعدة. الوفد طلب خبرة حزب الله في البروباغندا الإعلامية، والعمل الاستخباري والسياسي والتنظيمي تجاه أزمة الحوثي الحادة في اليمن، ونقل الوفد رسالة شخصية من زعيم ميليشيات الحوثي عبد الملك لنصر الله. في الأثناء زار وفد حوثي طهران طلبا للعون.
شيئا فشيئا تتوحد الأزمات ويغذي بعضها بعضا، مثل الجداول الصغيرة التي تصب بمجرى النهر مكونة تيارا كبيرا.
في مثل هذه الأحوال، تصبح الحاجة ماسة لبناء «رؤية كلية، تتفرع منها رؤى تفصيلية تجاه كل أزمة».
الرأي قبل شجاعة الشجعان.
* نقلا عن “الشرق الأوسط”