في ثمانينات القرن الماضي كتب أحد الصحفيين الاندونيسيين ان اندفاع الولايات المتحدة في تنفيذ مخططاتها الاستراتيجية في شرق آسيا ينبع من إضفاء الطابع العسكري على تحالف «الآسيان» وهي السياسة التي تنتهجها واشنطن منذ سنوات طويلة، ويمكن تتبع هذا في إرسال الاسلحة الامريكية الهائلة إلى هذه البلدان.
وفي تلك الفترة عرض هيج وزير خارجية الولايات المتحدة على اجتماع وزراء خارجية تلك الدول الذي عقد في مانيلا الاهمية التي توليها واشنطن لمساعدة بلدان «الآسيان» كمجموعة على ان تكون في وضع التأهب القتالي.
وعلى صعيد آخر كان الخطر الجسيم يتمثل في عقد المشاركة بين واشنطن وبكين الامر الذي جعل إدارة ريجان تستحث بلدان «الآسيان» على تطبيع علاقاتها مع الصين، ومن الواضح ان هدف الولايات المتحدة ليس هو ارساء هذه العلاقات على أساس مقبول وواقعي بل تحقيق نوع من «التوافق الاستراتيجي» بين عواصم تلك البلدان على اساس معاداة السوفيت ومعاداة الفيتناميين.
وهذا يفسر شدة احتياجهم إلى التحالف مع الصين، وفي ذاك الوقت كانت بكين مستعدة لبذل كل ما في وسعها لجر دول «الآسيان» إلى مواقف معادية للسوفيت!. كانت تلك الدول محكومة في الغالب بواسطة أنظمة معادية للشيوعية، وقد اتخذت خطوات لاقامة روابط عسكرية فيما بينها تحت دعوى حماية «أمنها الداخلي» وهو تعبير معادٍ للشيوعية ويعني اساساً قهر وكبت المعارضة الوطنية، كما ان هذه البلدان لها علاقات عميقة الجذور بالاقتصاد الرأسمالي، فعلى سبيل المثال في اندونيسيا وحدها بلغت الاستثمارات الاجنبية عشرة بلايين من الدولارات وارتفعت ديونها لمجموعة الدائنين الرأسماليين إلى 19.000 مليون دولار، وهذا الاعتماد الاحادي الجانب يوفر للامريكان اسلحة قوية لممارسة الضغوط على الدول ذات السيادة وفي المحل الاول هذه الدول التي يتواجد فيها نفوذ قوي أو مسيطر للقيادات الموالية للامبريالية.
واليوم من الواضح وفي ظل المصالح الاقليمية والدولية الجديدة تبلورت استراتيجيات امريكية وخليجية وأخرى روسية وأوروبية وصينية ايرانية.. ولاشك ان تفاقم أخطار العنف والارهاب والسياسات العدوانية التوسعية على غرار ما تفعله ايران في الخليج وفي سوريا والعراق ولبنان واليمن وما تفعله ايضاً روسيا في سوريا لا يتعارض مع مصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية!.
أما المصالح الامريكية فحدث ولا حرج فهي تسعى لانتهاج ذات السياسة القديمة إبان الحرب الباردة!.
المحلل السياسي الامريكي المتخصص في شؤون الدفاع «ايفان ايلاند» كتب عن علاقة واشنطن ببكين قائلاً: ان العلاقة بين البلدين تحتاج إلى تركيز اهتمام أكبر على نقاط انفجارات خطرة في بحري الصين الجنوبي والشرقي، ففي هاتين المنطقتين من الممكن ان تنجر القوتان المسلحتان نووياً إلى نزاع يمكن ان يتصاعد بخطورة بالغة، ويعني بذلك هناك نزاعات اقليمية بين الصين وبلدان اخرى في المنطقة، ويستطرد ايلاند موضحاً وبسبب استراتيجية الرئيس الامريكي باراك اوباما القائمة على «الانعطاف نحو آسيا» اخذت الولايات المتحدة في الآونة الاخيرة تعزز تحالفاتها القديمة التي تعود إلى ايام الحرب الباردة مع هذه البلدان بهدف احتواء الصين الصاعدة، وفي ظل ما تقتضيه المصالح الامريكية وفي اطار استراتيجية «الانعطاف» حركت الولايات المتحدة مزيداً من قواتها العسكرية إلى منطقة جنوب شرق آسيا، وهناك الآن حديث عن اعادة وجود عسكري امريكي إلى القاعدة البحرية في خليج سوبيك في الفلبين، التي كان الفلبينيون قد طردوا الولايات المتحدة منها عام 1992. وهناك حتى ما هو أسوأ من ذلك، حيث اعلن الادميرال «هادي هاريس» القائد الامريكي الاعلى في منطقة الهادي، ان الولايات المتحدة تخطط لتحرك عسكري مباشر من خلال زيارة الدوريات البحرية الأمريكية في بحر الصين الجنوبي.
خلاصة ذلك ان الوجود العسكري الامريكي في تلك المنطقة يمثل حماية للمصالح الامريكية ويمثل ايضاً بؤرة توتر شديدة الالتهاب وشديدة الخطورة على أمن واستقرار جنوب شرق آسيا، هذا ما تحذر منه الصين وروسيا.