ليس سراً أن إيران بدأت تشعر بدنو أجل النظام الأسدي، وتدرك أنه اقترب من نهايته المحتومة، وقد اعترفت صحافتها أنه ربما كان يقف أمام انهيار مباغت، وأن وضعه الحالي أخذ يطرح عليها تحديات تهدد نظامها ودوره الإقليمي والدولي.
تبدو إيران كمن يواجه ورطة جلبها لنفسه، ولا يعرف كيف يتخلص منها. وهي تتحدث عن الأسد كمن يتحدث عن نفسه بضمير الغائب، ولشدة خوفه من المصير الذي ينتظره، يحاول التظاهر بأن مخاوفه ليست في محلها، وأن لديه حلولا لما يتربص به من مفاجآت، كتداعيات انهيار جيش الأسد في إدلب ومحافظتها، ثم في مناطق من حوران والغوطتين، الشرقية والغربية، وفرار بقاياه من دون قتال من مواقعها الحصينة، بسبب تدهور ملحوظ أصاب معنوياتها، تخلت معه عن سلاحها وتحصيناتها، واقتناعها بأن قتالها صار نوعاً من الانتحار، وموقفا عبثيا غالي التكلفة، ولا جدوى منه.
تتحدث طهران عن رد سيفاجئ العالم، يخطط له ويقوده قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، متناسية أن جنرالها المنقذ سبق أن زار دمشق قبل عامين ونصف، حيث تعهد للأسد بتصفية الثورة خلال ثلاثة أشهر، قبل أن يتولى التخطيط لمعركة الحسم من قبو السفارة الإيرانية في حي المزة، ويشرف عليها فيما بعد مع عدد من جنرالاته الذين قتل كثيرون منهم، وهزمت قواتهم شر هزيمة. يومها، قال من شاهدوا سليماني قبل المعركة إنه كان منتفخ الريش كالديك، لكن أشهرا ثلاثة من القتال كانت كافية لتحويله إلى خرقة بالية. واليوم، لا تجد طهران من تهددنا به غير هذا الضابط الذي أوفده الملالي مرتين خلال عامين، لجز صوف الثورة، فجزّ رجالها وبره، ولن يكون دوره، هذه المرة، أفضل منه في معركة استرداد حوران التي قصم ظهره فيها خلال أيام قليلة.
يرفض نظام طهران التعلم من الدروس التي مرت بها نظم طغيانٍ، لا تقل تجبراً وقسوة عنه. لذلك، أرسل سليماني إلى اللاذقية، في تهديد صريح بفصل المنطقة الساحلية عن وطنها الأم، في حال حاقت هزيمة كاملة بالأسد ومرتزقتها. هذا التهديد الذي لم يكن مفاجئاً للسوريين لم يحبطهم، بل زادهم تصميما على هزيمة نظام يضع وجود شعبه ودولته في كفة، وبقاء الأسد رئيساً في الكفة المقابلة. ويؤكد، مرة أخرى، افتقاره إلى كل ما يجعله مقبولاً من السوريات والسوريين، أو أهلا لحمل أية مسؤولية، فما بالك إن كانت مسؤولية رئاسية، الأمر الذي يذكّر الشعب بضرورة إسقاطه بأي ثمن، كي تبلغ سورية بر الأمان، وتمتع مواطنيها بالحرية والعدالة، كأي دولة تستحق اسمها.
بعد أربعة أعوام، فعلت إيران فيها المستحيل لإنقاذ النظام الأسدي، صار واضحاً كعين الشمس أن تدخلها لم ولن يغير مآلات الصراع، أو ينقذ ربيبها، وأن النتيجة الوحيدة التي ستترتب على ارتباطها المصيري به ستكون الانهيار المزدوج الذي ستشهده طهران بعد دمشق، ويرجح أن يكون السوري منه مفاجئاً وسريعاً، والإيراني متدرجاً وبطيئاً، لكن نظام الملالي لن ينجو منه، لاستحالة أن يسقط كيان بمفرده، إن كان يتشابك ويتداخل عضوياً ومصيرياً مع كيان آخر.
ستكون إطاحة نظام ملالي طهران المتجبرين الظالمين ثمن حماقاته الإمبراطورية الدامية في سورية وغيرها من البلدان العربية. ومن يقرأ صحافته يجد أنها تحدس بالمصير القاتم الذي ينتظره، وأن فشل دوره في سورية سيقوض وجود القتلة الذين أشرفوا على موت السوريين من إيران.