لقد فتحت الحکومة الحادیة عشرة ومن خلال محادثاتها مع الغرب طرقاً مبتکرة وآمالاً بتقلیص العقوبات. وقد دفعت توقعات تطبیع العلاقات بین إیران والغرب ولاسیما الولایات المتحدة، بالقادة السیاسیین للعدید من الدول إلی التحرّک.إنّهم یعتقدون أنّ رفع العقوبات عن إیران ربما یُهدّد مصالحهم. القادة الأتراك من الذين يعتقدون أن تخفيض أو إلغاء العقوبات، سوف يؤدي إلى زيادة االتبادل التجاري مع إيران.إیران وترکیا تتحدثان عن نهایة الحقبة الباردة وبدایة مرحلة جدیدة في العلاقات والمسؤولون في البلدین یتحدّثون بنغمة تصالحیة .و أخذ المسؤولون الأتراک لا سیما بعد کسر حاجز الحوار بین إیران وأمریکا یتحدّثون عن احتمال نمو التبادل التجاري بین ترکیا وإیران إلی 100 ملیار دولار. قال أحمد داود أوغلو في مقابلة مع شبكة «سي ان ان تورك»: إنّ فتح الأسواق الإیرانیة أمام المجتمع الدولي سوف یُوفّر فرصةً کبیرةً لترکیا باعتبارها جارةً لأیران وترکیا لدیها إمکانیات هائلة لتلبیة احتیاجات الأسواق الإیرانیة. وقد رحب الرئیس الترکي عبد الله جول ببدء المفاوضات بين ايران والولايات المتحدة. کما کتبت الصحف الترکیة أنّ التجار والشرکات الترکیة تترقّب مشارکةً أوسع في الأسواق الإیرانیة.ولکنّ الخبراء أیضاً یتحدّثون عن مشاکل سیاسیة واقتصادیة عالقة بین ترکیا وإیران.وفي هذا الصدد یُشیرالخبراء إلی قضیة «صفقة الغاز بين ايران وتركيا» وهي من أهمّ موارد الخلاف بین البلدین ولازال ملف هذه القضیة قید الدراسة في محکمة لاهای الدولیة.لقد أعلن علي باباجان ، نائب أردوغان،في 12 من أکتوبر الماضي أنّ بلاده لم تعد تُطبّق تجارة المقایضة أي تبادل الغاز بالذهب. و قال إنّ ترکیا مرغمةٌ علی إنهاء هذا العمل بسبب العقوبات.
التجارة بین إیران وترکیا
تشتري ترکیا 10 ملیار متر مکعب من الغاز الإیراني سنویاً. وکان کلا البلدین قد تمکّنا من الالتفاف علی العقوبات من خلال المقایضة. وکتبت وسائل الإعلام الترکیة أنّ ترکیا تشتري الغاز الإیراني بتکالیف مرتفعة جداً وهي غیر راضیة عن هذا الوضع. وعلی الرغم من تصاعد الخلافات السیاسیة بین البلدین فإنّ التبادل التجاري شهد نمواً في السنوات الأخیرة. ففي السنوات العشر الماضیة وبعد وصول حزب «العدالة والتمیة» إلی سدّة الحکم، فإنّ حجم التبادل التجاري بین إیران وترکیا ارتفع من 2,5 ملیاردولار سنویاً، إلی 12 ملیار دولار أي بنسبة عشرة أضعاف.
ویعتقد البروفسور محمدسیف الدین أرول ، رئیس مرکز« آسام» الأستراتیجي في ترکیا أنّه یمکن تحقیق توقعات داود أغلو بشأن 100 ملیار دولار من حجم التبادل التجاري مع إیران فیما إذا تمّ تنفیذ العقود الاستراتیجیة التي لم تُنفّذ حتی الآن.ویؤکد أنّ« إیران قادرةٌ علی نقل الطاقة من دول آسیا الوسطی وبحر قزوین إلی ترکیا وأن تتحول إلی نقطة عبور ولکنّ تطبیق مثل هذا المشروع یتطلّب موافقة الولایات المتحدة». ویری أرول أنّ ترکیا هي الجسر بین إیران والغرب وقد لعبت دور الوسیط في المفاوضات التي دارت بینهما ویُعدّ تطبیع العلاقات بین إیران وأمریکا في صالح ترکیا.
ولکنّ «والتربوش» أحد الخبراء المختصین في الشأن الإیراني والترکي، من مؤسسة «العلم والسیاسة» في برلین ألمانیا ؛ له رأي آخر یُعارض رأي هذا الخبیر الترکي.ففي حوار له مع إذاعة «دویتشه وله» یقول إنّ المفاوضات بین الولایات المتحدة وإیران لیست في صالح ترکیا. ویؤکد أنّ «إیران وترکیا متنافسان ولدیهما اختلافات استراتیجیة وأحادیث داود أغلو تُعتبر مثالیة.والسیاسة الخارجیة الترکیة قد فشلت في تقلیص حدّة التوتر مع جیرانها إلی الصفر».
کما یؤکد هذا الخبیر في مؤسسة العلم والسیاسة أنّه:« في الوقت الراهن لم یتغیّر أي شيء في المناسبات الإیرانیة الأمریکیة. ولم تکن هناک سوی محادثة هاتفیة ولم یتغیّرشيء في القضایا الاستراتیجیة». ويخلص والترز بوش إلی أنه على الرغم من أنّ تركيا لديها امكانات كبيرة لتلبية احتياجات الأسوق الإیرانیة فإن توقع داود اوغلو، لیس عملیاً. ویضیف:« إذا تمّ فعلاً تخفیف العقوبات المفروضة علی إیران فإنِ ترکیا لیست هي الوحیدة التي تدخل الأسواق الإیرانیة. بل إنّ فرنسا وألمانیا وإیطالیا وإنکلترا یتنافسون علی الحضور في الأسواق الإیرانیة وسوف تکون لدی الإیرانیین فرصة الاختیار».
کما قال عارف کسجین الخبیر في مرکز الدراسات الاستراتیجیة الترکیة إنّ تطبیع العلاقات بین إیران والغرب من شأنه أن یأتي بنتائج مختلفة علي ترکیا ویترک آثاراً إیجابیة وسلبیة علی هذا البلد. ویشیر في هذا الصدد إلی الآثار السلبیة أولاً ویقول:« سيتم خفض الأهمية الاستراتيجية لتركيا والقضاء على الكثير من المخاوف الغربية والتصرف بشكل أفضل من تركيا لأنّه هو الذي خلق هذه المشاکل. ومن جانب آخر فإنّ التطورات الإقلیمیة لا تسیر کما تتوقع ترکیا. کما أنّ تطبیع العلاقات بین إیران والغرب بشأن الملف السوري لیس في صالح ترکیا». ثم یشیر هذا الخبیر إلی النقاط الإیجابیة في تطبیع العلاقات بین إیران والغرب ویؤکد علی أنّ هذه القضیة تؤدي إلی نشاط اقتصادي في المنطقة وتساعد علی تخفیف التوتر الموجود ولاسیما النزاع السني الشیعي في المنطقة.
الامتعاض من رفع العقوبات عن إیران
یقول کسجین الخبیر المقیم في أنقره في حوار له مع إذاعة دویتشه وله: إنّ مشاکل إیران وترکیا ناتجة عن علاقات إیران السیئة مع العالم الخارجي وفي حال تطبیع العلاقات فإنّ حجم التبادل التجاري بین إیران وترکیا سوف یشهد نمواً. الشرکات الغربیة بدأت تدخل الأسواق الإیرانیة شیئاً فشیئاً وترکیا ترید تغییر ظروفها التجاریة مع إیران. المسؤولون الأتراک غاضبون علی إیران بسبب موقفها من الأزمة السوریة ویتوقعون أن تخطو إیران خطوات إیجابیة في هذا الصدد. یقول وزیر الخارجیة الترکي داود أغلو أنّ جهود بلاده للحدّ من التوترات مع إیران، خلال فترة أحمدي نجاد، لم تؤدي إلی نتیجة. وقال أيضا في هذا الصدد:«ولكن الحكومة الجديدة لدیها أفكار جديدة لحل الأزمة في سوريا، وعلى استعداد للاستماع إلى رؤية إيجابية في هذا المجال وقد أظهرت رغبةً في حلّ الأزمة السوریة. ترکیا لیست ممتعضةً عن التقارب الإیراني الأمریکي بل تشجّع علی هذا التقارب وترحّب به بشدّة». کما یؤکد الخبراء المقیمون في ترکیا في مقابلات لهم مع إذاعة دویتشه وله، أنّ العقوبات الأمریکیة المفروضة علی إیران ألحقت بالجانب الترکي أضراراً اقتصادیةً جسیمة حتی الآن.