إلا أن طهران مثل واشنطن، تقر بأن هذه المحادثات تنحصر بالملف النووي ولا تتعداه إلى الوضع الإقليمي، وهذا ما أبلغه الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى القيادة السعودية حين زار الرياض نهاية الشهر الماضي، في محاولة لطمأنتها إلى أن التقدم على صعيد ضبط برنامج إيران النووي لم يفض إلى تفاهمات على دورها الإقليمي الذي سيبدأ البحث فيه في شهر تموز (يوليو) المقبل حين يكون الاتفاق على النووي أُنجز.
وبغض النظر عما توصلت إليه المحادثات الأميركية السعودية من زاوية معالجة الخلافات حول الموقف من إيران والتوجس السعودي من «حياد» واشنطن حيال التدخل الإيراني في اليمن والعراق وبعض دول الخليج وسورية وفلسطين ولبنان، فإن القيادة الإيرانية وهي تردد منذ انتخاب الرئيس حسن روحاني أنها مهتمة بتحسين العلاقة مع الرياض، تعتبر أن عدم نجاح المحاولات التي بذلتها إلى الآن مع الجانب السعودي لا يقلقها، «لأن المهم بالنسبة إلينا هو حوارنا مع واشنطن، الذي سيستمر».
في الانتظار، تواصل طهران التمسك بأوراقها كاملة وتظهر تصميماً على الدفاع عن أوراقها في كل الدول المذكورة، وتزيد من تدخلها فيها وتزداد شراسة في بعضها وتسعى لاستباق محادثاتها المفترضة مع واشنطن ومع الرياض، حتى تُقبِل عليها حين تحصل من موقع المتمكن.
وهي لذلك تستفيد من التردد الأميركي حيال ما تقوم به ومن تقاطع المصالح حول محاربة الإرهاب. وتربح الوقت، لا سيما في سورية، برسم خريطة ميدانية تُحصِّن النظام فيها، عبر إعانته على تأمين الحدود مع لبنان لدولته المفترضة بين دمشق والساحل السوري، من طريق المساندة القتالية التي يقوم بها «حزب الله»، أو من خلال تأمين شرعية جديدة للنظام بدعم الانتخابات الرئاسية المهزلة التي سيفوز فيها بشار الأسد. وهي تتصرف على أن حماية الأسد في سورية هي حماية لدور نوري المالكي حليفها في بغداد ولـ «حزب الله» في لبنان… وتسعى لاستعادة علاقتها مع «حماس» في فلسطين…
لكن طهران لا تزال تصر على العلاقة مع الرياض، على رغم إظهارها عدم الاكتراث بتمنع الأخيرة عن المغامرة في الحوار قبل أن تُظهر القيادة الإيرانية حسن النية بانكفائها عن التدخل في الإقليم، وحتى لا تستغل أي انفتاح عليها. وإلا ما سر هذا الإصرار على الحديث عن الانفتاح بين الدولتين والحوار بينهما من جانب الديبلوماسية الإيرانية وأصدقائها اللبنانيين، في وقت لم يظهر أي مؤشر إليه من الجانب السعودي؟ فالرئيس روحاني زار سلطنة عُمان قبل أسابيع ليبحث في اتفاق مد أنابيب الغاز الإيراني عبرها، مع أنه كان أعلن أن زيارته الأولى هي للسعودية، ومنها أراد وساطة الأخيرة مع الرياض من أجل زيارة موفد مقرب لخادم الحرمين الشريفين طهران. والفكرة نفسها طرحت على أنقرة وعلى دولة الإمارات.
تستعجل طهران الحوار وتلح على الحل السياسي في سورية قبل حلول الصيف، مخافة أن تحصل مفاجآت تعدل في الصورة الحالية التي تعتقد أنها لمصلحتها ومصلحة حلفائها، وتسعى لاستباق أي احتمال يقلب الصورة ويعدل من الامتناع الأميركي عن دعم المعارضة السورية. وفي حين أملت طهران من رفع العقوبات رفعاً للعقبات أمام نموها الاقتصادي، فإن دول الغرب كانت تأمل بأن يمهّد الرفع الجزئي للعقوبات الاقتصادية عن الاقتصاد الإيراني في الاتفاق النووي المرحلي مطلع السنة، إلى رفع العقبات التي تضعها إيران أمام التوافق على الوضع الإقليمي، إلا أن المسار الذي سلكته الأزمة السورية ضاعف من هذه العقبات، ما يدعو إلى التساؤل عما إذا كان الاتفاق النهائي على الملف النووي سيشمل رفعاً كاملاً للعقوبات بالتزامن مع الحلول للنووي.
وعندما يقول الرئيس الأسد إن المعارك العسكرية ستستمر حتى نهاية هذا العام ليبدأ بعدها التركيز على محاربة الإرهاب، فإن المنطق يقول إن على طهران أن تقلق من استمرار استنزافها و «حزب الله» في بلاد الشام، بموازاة قلق دول الخليج من السياسة الأميركية الزئبقية حيال الأزمة السورية وأوضاع الإقليم.
فهل إن طهران تريد من الانفتاح على الرياض استباق المطالب الأميركية منها في الإقليم بعد إنجاز الاتفاق على النووي عبر ما تروج له من تقارب مع السعودية؟ وهل تريد أن يكون لبنان ميداناً لهذا التقارب، فيجري ربط النزاع في البلد الصغير الذي أصبح نموذجاً لعمليات «ربط النزاع» أم أن الأمر مجرد مناورة؟
*نقلاً عن “الحياة”.