بعد جلسة مجلس الأمن الدولي التي كانت روسيا خلالها، ومعها النظام السوري، في قفص الاتهام دوليًا، واصلت موسكو الدفاع عن موقفها ومحاولة تحميل الولايات المتحدة والمعارضة السورية المسؤولية عن فشل تنفيذ الاتفاق الروسي – الأميركي في سوريا. هذا في الوقت الذي قالت فيه وزارة الدفاع الروسية إنها باتت قريبة من التوصل لاتفاق مع البنتاغون حول تنظيم تنفيذ الاتفاق في سوريا، بينما تشير التطورات الميدانية إلى أن روسيا ربما قررت اللجوء إلى «الخيار الإيراني» في حلب، ردا على فشل إطلاق تعاون مع الولايات المتحدة في الملف السوري.
ونقلت صحيفة روسية عن مصدر مطلع من الأوساط العسكرية – الدبلوماسية، قوله إن العسكريين الأميركيين والروس يستعدون للتوقيع خلال أيام، على اتفاق «تنظيم مؤقت للتعاون في سوريا»، وأوضح المتحدث أن «الاتفاق الذي يدور الحديث عنه يحدد الآليات الرئيسية للإبلاغ عن نشاط القوى الجوية للبلدين، كما يحدد كيفية العمل في المواقف الإشكالية». وأكد المصدر لصحيفة لـ«إزفستيا»، أمس، أن «العمل على الاتفاق دخل المرحلة النهائية، وقد يتم إنجازه في الأيام القريبة المقبلة».
وتضيف الصحيفة أن وزارتي الدفاع والخارجية الروسيتين لم تتمكنا من التعليق على المعلومات حول ذلك الاتفاق، إلا أن مصدرا دبلوماسيا مطلعا على سير المحادثات أكد للصحيفة أن «سلسلة الاتهامات المتبادلة والمناخ السلبي العام في وسائل الإعلام لم يعيقا مواصلة الجانبين (الأميركي والروسي) الحوار البناء حول تبادل المعلومات بين العسكريين».
من جهته، وصف ديمتري بيسكوف المتحدث الرسمي باسم الكرملين، الوضع في سوريا بأنه «معقد للغاية»، لافتًا إلى أن الكرملين يركز على مسائل عدة «دون أي انفعالات»، ومن تلك المسائل أنه «لم يتم حتى الآن الفصل بين المعارضة والمجموعات الإرهابية»، حسب قوله، كما أن «نظام وقف إطلاق النار قليل الفعالية»، مبديا قلق الكرملين من أن «المجموعات الإرهابية تستغل وقف إطلاق النار لحشد قواها، والتزود بالعتاد، ضمن تحضيرات، يبدو من الواضح أنها بهدف شن عمليات هجومية».
ورغم «حرص» بيسكوف على الحل السياسي، إلا أن كثيرين في موسكو يعتقدون بأن روسيا والنظام السوري سيعملان على «أفراغ حلب» لقلب موازين القوى، والعودة بعد ذلك إلى الجهود السياسية. وما يؤكد هذا الأمر سؤال وجهه الصحافيون لبيسكوف حول ما إذا كان الكرملين يتوقع «نقلة نوعية في التسوية السياسية للنزاع السوري بعد طرد المسلحين السوريين من حلب»، ولم يجب بيسكوف على ذلك السؤال مكتفيا بإحالته إلى وزارة الدفاع الروسية.
من جانبه كرر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الاتهامات ذاتها للولايات المتحدة بشأن فشلها في تنفيذ التزاماتها بخصوص الفصل بين المعارضة والإرهابيين، إلا أنه زاد على ذلك في حديث تلفزيوني، يوم أمس، حين حاول توجيه الاتهام لواشنطن بالمسؤولية عن قصف قافلة المساعدات الإنسانية قرب حلب.
ورغم حدة الانتقادات التي وجهها، إلا أن لافروف لا يظن بأن «الولايات المتحدة ترى أنه آن الأوان لوضع شاهد على نعش الاتفاق»، مضيفًا أن «روسيا على أقل تقدير متمسكة بتلك الاتفاقات التي تم التوصل إليها خلال الأشهر الأخيرة، وتم وضع النقاط على الحروف فيها خلال اللقاء بين الرئيسين بوتين وأوباما يوم السادس من سبتمبر (أيلول)». ولم تكن تصريحات ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي بعيدة عما قاله لافروف بهذا الصدد، إذ قال في إجابته على سؤال حول آفاق تنفيذ الاتفاق الأميركي – الروسي في سوريا، للصحافيين يوم أمس: «أعتقد أن هناك أملا. أجل كانت هناك انتهاكات كثيرة لوقف إطلاق النار، إلا أن القضية الأهم ما هو البديل؟ إما مواصلة الحرب، وإما مواصلة محاولات وقف تلك الحرب»، مؤكدًا أن موسكو «ضد العودة إلى الحرب ومع إطلاق وقف للأعمال القتالية والالتزام به، بموجب الاتفاق الأميركي – الروسي، ومع إطلاق المفاوضات السياسية بين السوريين».
وإذا كانت تصريحات الكرملين والخارجية تبدو «جزرة» في السياسات الروسية، فإن موسكو تستخدم «العصا بغلظة» في حلب التي تدفع ثمن الغضب الروسي إزاء فشل المساعي لإطلاق تعاون مع الولايات المتحدة عبر «العمل معًا» في سوريا، وفق ما يقول مراقبون. ويبدو أن موسكو التي لم تفقد الأمل بعد بتغيير في الموقف الأميركي قررت العودة في موضوع حلب إلى «الخيار الإيراني»، أي المشاركة بفعالية في عملية عسكرية واسعة تستهدف إعادة السيطرة على مدينة حلب، وهو الأمر الذي قالت مصادر عدة إن وزير الدفاع الإيراني حسن الدهقان عرضه على الجانب الروسي خلال لقاء مطلع شهر يونيو (حزيران) في طهران مع وزير دفاع النظام ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو.
وقد برزت بوضوح مؤشرات خلاف بين موسكو من جانب، وطهران ودمشق من جانب آخر بعد ذلك اللقاء، حيث نقلت تسريبات إعلامية بعد عدة أيام على لقاء طهران، عن مصدر مقرب من الحكومة السورية قوله إن دمشق مستاءة من قرار الهدنة التي أعلنتها روسيا في حلب، مضيفًا أن «روسيا لا تريد لنا أن نستعيد مدينة حلب». في حين استبعد ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي، في تصريحات خلال الفترة ذاتها، قيام تحالف عسكري بين روسيا والنظام السوري وإيران.
نقلاعن ایلاف