اعتقدت صحيفة «نيويورك تايمز» الرصينة، التي لم تنقطع عن الصدور منذ العام 1851، أن اعتمادها «حلقوم طهران» محمد جواد ظريف كاتباً في صفحات الرأي سيضمن لها زيادة توزيعها، بما ستثيره أكاذيب الرجل، واتهاماته الباطلة، وشتائمه لخصوم بلاده. لكن «السيدة الرمادية» (هكذا تلقب صحيفة نيويورك) اكتشفت بعد المقال الثاني لظريف أن الساحة السياسية والصحافة العالمية انقلبت عليها بسبب انقلابها على المعايير المهنية.
ليس لأن ظريفاً هاجم السعودية، وليس لأن أقطاب السياسة والصحافة الأمريكية يحبون الرياض، ولكن لأن «نيويورك تايمز» صحيفة كبيرة تخلت عن المهنية، واقترنت بأفاك وكذاب ومنافق جرها لتبني آرائه التي توزع اتهامات الإرهاب والفوضى بلا أدلة، متناسياً أن إيران هي أم الإرهاب وأبوه وعرابته.
بدأ الاستهجان بمقال نشرته «واشنطن بوست» لكاتب يستغرب السماح لظريف بقول ما قاله بحق السعودية، وتحريضه المكشوف ضدها، بدعوى القضاء على «الوهابية». وما لبثت مجلة «نيوزويك» أن انضمت لطابور المنتقدين، بنشر مقال للخبيرة بشؤون إيران والشرق الأوسط دانييل بليتكا، وهي نائبة رئيس معهد «أمريكان انتربرايز» الذي يعد إحدى قلاع المحافظين الجدد.
بدأته الكاتبة بالتشكيك في أن يكون ظريف كتب المقال بنفسه. وسخرت من «السيدة الرمادية» التي قالت إنها فتحت صفحاتها مثل «شرفة موسوليني» التي كان يفرض منها «أفكاره غير المدققة» على الجمهور. وكتبت أن مقال ظريف يظهر «نفاقه، وعدم أمانته، والميكافيلية المحضة لنظام طهران». وقالت: «إن ظريف عني بـ «الإرهاب السني»، لكن إيران هي العراب الحقيقي للإرهاب الحديث، فهي الحكومة التي وصلت بالحروب بالوكالة من خلال الجماعات الإرهابية لوضعها الراهن».
وأشارت إلى أن إيران أنشأت «حزب الله» اللبناني، ومولت حركات جهادية، وهي التي تحرض شيعة البحرين والكويت والسعودية واليمن ليعتنقوا الإرهاب والحرب والتطرف. وأضافت أن تصوير إيران بأنها على رأس المعركة ضد الإرهاب «ملهاة مروعة». وانتقدت موقف الرئيس باراك أوباما المحابي لإيران، ليترك لها الشرق الأوسط لتبتلعه، بغض النظر عن المصالح الأمريكية. وخلصت إلى التحذير من أن إيران لا يمكن التقليل من خطورتها، فهي تسعى للتسلح بقنابل نووية… قريباً، ما سيجعلها مهدداً للعالم بأسره.
وفي 13 سبتمبر الجاري، بثت قناة «فوكس نيوز» الأمريكية مقابلة أجرتها مع رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي ديفين نيونز، حذر فيها من أن البيت الأبيض تم تسليمه وثائق عدة تثبت تورط إيران في الإرهاب. ومنها وثيقة تثبت وجود علاقة حميمة بين إيران خامنئي وزعيم «القاعدة» السابق أسامة بن لادن. وأخرى تؤكد أن بن لادن منع مقاتليه في تنظيم «القاعدة» من التعرض لإيران. وخلص نيونز إلى أن إيران هي أكبر تهديد لأمن الولايات المتحدة منذ هجمات 11 سبتمبر 2001.
ولاشك أن الفارق كبير بين دولة حليفة مثل السعودية التي تجاوزت المساعدات والمعونات الإنسانية والإغاثية والتنموية التي قدمتها لدول العالم 139 مليار دولار وبين دولة مثل إيران تسعى لنشر الفوضى والخراب واستضافة الإرهابيين وتشكيل العصابات والميليشيات المسلحة.
في 15 سبتمبر الجاري خرجت «واشنطن بوست» عن صمتها إزاء الجدل الدائر حول إقرار مجلسي الكونغرس بالإجماع «قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب» (JASTA) الذي يسمح للأمريكيين بمقاضاة السعودية بشأن هجمات سبتمبر.
وقالت الصحيفة في افتتاحيتها إن الأوان ليس مناسباً للتعجل لمقاضاة السعودية، مع مشروعية منطق مطالبة ذوي الضحايا بتعويضات مالية. ويعكس موقف الصحيفة تزايد «العقلانية» الأمريكية التي ترى ضرورة التخلي عن قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب». وأشارت بوجه الخصوص إلى العلة الأساسية في القانون المذكور، وهي إلغاؤه الحصانة السيادية للدول، ما يتيح للدول الأخرى إلغاء الحصانة السيادية للدبلوماسيين والعسكريين الأمريكيين.
وشددت على أن الحصانة السيادية بقيت على مر الأزمان أداة عملية فاعلة. واعتبرت تصويت مجلسي الكونغرس بالإجماع على قانون «جاستا» إضعافاً لذلك المبدأ، مشيرة إلى أنه بُني على اتهامات لم يقم عليها دليل بتورط سعودي في هجمات 2001. وأشارت إلى أنه لا تمكن مقاضاة دولة للحصول على تعويضات عن هجوم إرهابي، إلا إذا كانت مصنفة أمريكياً باعتبارها راعية للإرهاب، وهو ما لا ينطبق حالياً إلا على إيران، وسورية، والسودان. وحذرت من أن «جاستا» يمنح القضاة غير المنتخبين سلطة هي أصلاً للهيئة التنفيذية، وليست القضائية، ليتدخلوا في السياسة الخارجية، وتصنيف علاقات الدول بأمريكا.
ولم تتوقف «واشنطن بوست»، عند ذلك، بل طالبت الرئيس باراك أوباما بالتعجيل باتخاذ الفيتو ضد «جاستا»، حتى يعرف العالم أنه ضد كل قانون يلغي مبدأ قانونياً وسياسياً راسخاً منذ القدم.
وقالت إنه ما دام أعضاء الكونغرس جهزوا غالبية الثلثين المطلوبة لإحباط أي فيتو رئاسي محتمل، فإن على أوباما أن يبرئ ذمته باستخدام الفيتو ضد قانون يدرك جيداً أنه يهدم مبادئ السياسة الخارجية.
كما حذر معهد دول الخليج العربية بواشنطن، وهو مؤسسة أبحاث أمريكية، من أن «جاستا» سيفتح «صندوق الشرور على الدفاع والدبلوماسية الأمريكية»، لأن أي مهمة تقوم بها طائرة أمريكية بلا طيار لمكافحة الإرهاب، ستجعل من حق أي شخص في الدولة المعنية أن يقاضي الدبلوماسيين والملحقين العسكريين الأمريكيين بتلك الدولة، ما سيعني عرقلة السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ووقف تنفيذ خططها العسكرية.
الأكيد أن هذا الاتجاه المتزايد للوقوف بوجه قانون «جاستا»، ومخطط التآمر على السعودية، ورفض اتخاذ علاقاتهما التاريخية كبش فداء. مع التشديد على أن المملكة قادرة على التصدي للتدخلات والتحريض الإيراني، والدفاع حتى آخر قطرة، والوقوف بقوة ضد أطماع إيران وأزلامها وطوابيرها وميليشياتها وعصاباتها الإجرامية، هو الخيار الأقوى والأهم الذي تتبناه المملكة مهما كلفها ذلك من تحديات.
نقلاعن: عکاظ