أثارت شخصية منفذ الهجوم الانتحاري الباكستاني عبدالله قلزار خان، البالغ من العمر 36 عاماً، والذي عمد إلى تفجير نفسه بحزام ناسف داخل موقف مستشفى الدكتور سليمان فقيه بمحافظة #جدة غرب #السعودية ، وما تبعه من إلقاء القبض على 12 من الجنسية الباكستانية للاشتباه بعلاقة تجمعهم مع الانتحاري نفسه.
الإرهابي الباكستاني عبدالله قلزار خان-منفذ-تفجير-جدة
وتأتي أهمية الإشارة إلى دور المنظر الأشهر للحركات الأصولية وإعادة تسليط الضوء على ما يسمى بـ”الجماعة الإسلامية الباكستانية” بصرف النظر عما إذا كان الانتحاري منتمياً لها أم لا.
كما أن تورط بعض العناصر من شبه القارة الهندية ضمن خلايا القاعدة وداعش لم يقتصر على الانتحاري “عبدالله قلزار خان”، ففي 7 يناير 2012 بدأت المحكمة الجزائية المتخصصة محاكمة باكستاني وآخر أفغاني ضمن خلية الـ16، والتي كانت قد خططت لتنفيذ عمليات تستهدف أحد كبار رجال الدولة ومخازن أسلحة في القوات البحرية وقوات الطوارئ الخاصة ومباني المباحث العامة واغتيال رجال الأمن.
كذلك في 7 ديسمبر 2014 ، كشفت #الداخلية_السعودية عن القبض على 135 إرهابيا من بين الـ26 شخصاً من جنسيات أجنبية، منها أفغانيو الجنسية. وفي أكتوبر 2015، أعلنت الداخلية عن إحصائية تضم 83 إرهابياً أوقفوا في قضايا تمس أمن الدولة وانتمائهم لتنظيمات #إرهابية قبض عليهم في عدد من عدة مناطق في المملكة، ومن 8 جنسيات مختلفة. وكان ضمن الموقوفين اثنان من الجنسية الهندية.
كما حصل هجوم إرهابي آخر وقع في ديسمبر 2015 في مؤسسة للخدمات الاجتماعية بسان بريناردينو بولاية كاليفورنيا، وأودى بحياة 14 شخصاً. وأصاب 17 آخرين، ووقف خلفها المدعو سيد رضوان فاروق 28 عاماً ولد في الينوا بأميركا من أصول باكستانية، ومعه امرأة تدعى تشفين مالك تصغره بعام واحد.
سيد فاروق منفذ هجوم كالفيورنيا
إلى جانب هجوم أورلاندو بالولايات المتحدة، والذي نفذه الأفغاني الأصل “عمر متين” (29 عاماً) المولود بنيويورك في يونيو 2016 . استهدف الهجوم حينها نادياً ليلياً واسمه “بولس” للمثليين في أورلاندو، حيث بادر متين بإطلاق النار على مرتادي النادي مخلفاً 49 قتيلاً و50 إصابة، ما استدعى الاستحضار من جديد لمؤسس الجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية أبو الأعلى المودودي الملهم والأب الروحي لسيد قطب الذي استعار منه مبادئه في “الحاكمية” والجاهلية” و”الخلافة”، والصديق لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا الذي أسس لجماعته الإسلامية بباكستان بعد 13 عاماً من تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والتي نهل منها تنظيم “القاعدة” و”داعش”، بحسب ما تؤكده العبارات “القطبية” على جداريات الرقة والموصل وإشادة الظواهري زعيم القاعدة بأدبيات قطب والمودودي.
عمر متين
عرف “المودودي” كراعٍ وملهمٍ للإسلام السياسي، وللفكر الشمولي، والذي لم يكن يعرفه الإسلام السني طوال تاريخه. وعلى الرغم من افتقاره لمكونات “العالم الكلاسيكي” إلا أنه تمتع بالعبقرية الحركية الحزبية.
وأوجب استدعاء أبو الأعلى المودودي عامل الربط مابين صعود الجنسيات من شبه القارة الهندية الأفغان والباكستانيين والهند ضمن عناصر تنظيم “داعش” ودعاياتها بإقامة دولة الخلافة، بما أسسه وجند له والد الإسلام السياسي، من خلال كتبه ومؤلفاته وجماعته (الجماعة الإسلامية بباكستان).
ومثّل أبو الأعلى المودودي الرمز الأول للجماعات الإسلامية المتطرفة لشبه القارة الهندية الشاملة للهند وباكستان وبنغلاديش وسريلانكا وكشمير، مثلاً الرمز الأول للإسلام السياسي الأصولي ويماثله في العالم العربي حسن البنا وسيد قطب.
وبحسب ما أورده المودودي ضمن أهداف تأسيس الجماعة الإسلامية التي ألقاها في خطابه المؤسس للجماعة في مؤتمره العام بلاهور سنة 1941 بحضور 75 شخصاً يمثلون مختلف بلاد الهند، فإنه انتخب بعدها أميراً للجامعة، وسجله في كتابه “تذكرة يا دعاة الإسلام”، جاء فيه بعض من مطالبه: “دعوتنا لجميع أهل الأرض أن يحدثوا انقلاباً عاماً في أصول الحكم الحاضر الذي استبد به الطواغيت والفجرة الذين ملأوا الأرض فساداً، وأن ينتزعوا هذه الإمامة الفكرية والعملية من أيديهم”.
كما تابع في مسألة الحاكمية والخلافة: “ثبت لنا باليقين والبرهان والمشاهدة أنه لا أمل في صلاح العالم، ولإرجاء في استقامة الأمور على موازين الرشاد والحق ما دام أولئك الطغاة المنحرفون عن الله ورسوله يتصرفون في شؤون الملك، ويديرون أموره ويشرفون على جليلها وصغيرها، فمن مقتضيات إسلامنا وعبوديتنا الخالصة لله الواحد الأحد أن نجد ونجتهد، ونبذل الجهود المتواصلة والمساعي المتتابعة للقضاء على زعامة أئمة الكفر والضلال واجتثاث النظم الباطلة من جذروها، وإحلال الإمامة العادلة والنظام الحق محلها”.
وأضاف مؤكداً: “إننا عندما نقول إنه لا يستحق التشريع للحياة الإنسانية إلا الله، وإذا كان من دعوانا أن الحاكمية إنما هي حق لله وحده ولا يجوز لأحد سواه كائناً من كان أن ينفذ حكمه في أرض الله بدون طاعته والتزامه بقانونه وقيامه عند حدوده، وإذا كان من عقيدتنا أن كل قانون يقضي بين الناس بدون استناده إلى ما أنزل الله، هو قانون الكفر والفسق والظلم فإنه مما يستلزم ألا تترك قضية تقرير الحق وتمييزه من غير الحق إلى حكومة حاكم نعتقده بطلان أساسه للحكم”.
وتابع المودودي: “وما رأيك في هذه الشعوذة التي يرتكبها المسلمون في جميع أنحاء العالم؟ يتشدقون بالإيمان واليوم الآخر ويتظاهرون بالإسلام ويتسمون بسمته، ولكنهم جميعاً يدخلون في معترك الحياة العملية ويخوضون غمار السياسة، ويبحثون في مسائل الاقتصاد والاجتماع. لا تجد عليهم مسحة من تعاليم الإسلام ولا أثراً من آثار أتباعها للدين الحق والشريعة الكاملة، أي شعوذة أكبر من هذه وأشنع؟”.
فيما يشار إلى عملية تأثر وتأثير بين دعوة الإخوان المسلمين ودعوة الجماعة الإسلامية. وكتب كل منهما تدرس في مناهج الأخرى.
وقد وجد حسن البنا في كتاب “الجهاد في الإسلام” الذي ألفه المودودي تطابقاً بينه وبين أفكاره التي يحملها عن الجهاد، وأبدى إعجابه به. كما أن هناك أشبه ما يكون بالارتباط الروحي بسيد قطب، حتى بلغ تبني قطب المودودية. فبحسب مارواه خليل الحامدي سكرتير الشيخ المودودي، قال: “في أحد أعوام الستينيات الميلادية، دخل شاب عربي على الأستاذ المودودي، وقدم له كتاب “معالم في الطريق” لمؤلفه سيد قطب، وقرأه الأستاذ المودودي في ليلة واحدة. وفي الصباح قال لي: “كأني أنا الذي الذي ألفت هذا الكتاب”، وأبدى دهشته من التقارب الفكري بينه وبين سيد قطب”.
سيد قطب
وأضاف: “غداة تنفيذ حكم الإعدام بسيد قطب، دخلنا على المودودي، وقص علينا كيف أنه أحس فجأة باختناق شديد، ولم يدرك لذلك سبباً، فلما عرف وقت إعدام سيد قطب من الصحف الباكستانية قال: “أدركت أن لحظة اختناقي هي نفس اللحظة التي شنق فيها سيد قطب”.
تجدر الإشارة إلى أن من بين ما دعا إليه أبو الأعلى المودودي، إعداد جماعة تهتم بالدعوة في مختلف الدول قائلاً: “دعوتنا للعالم بأسره أن يعنى ويهتم بإعداد جماعة صالحة مؤمنة متحلية بالسجايا والطباع التي لابد منها لتدبير شؤون الدنيا وتنظيم أمور العالم.
من جانب آخر، لا تتصف هذه الجماعة الصالحة بتلك المزايا والطباع فحسب، بل تعلو وتفوق أئمة الكفر والضلال وأعوانهم الذين تراهم مستبدين بأزمة أمور الدنيا اليوم للاضطلاع بأعباء الملك وتدبير شؤون العالم”.
أشاد د. يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالمودودي ووصفه: “المفكر المجدد صاحب النظر العميق، والتحليل الدقيق، ناقد الحضارة الغربية على بصيرة، والداعي إلى نظام الإسلام على بينة، صاحب الكتب والرسائل التي ترجمت إلى عشرات اللغات، والذي وقف في وجه دعاة (التغريب) وأعداء (السنة)، مؤسس كبرى الجماعات الإسلامية في شبه القارة الهندية”.
المودودي والخميني
لم يقتصر أثر وتأثير المودودي على جماعة الإخوان المسلمين، وإنما وإضافة إلى ذلك كله كان لافتاً صلة الوصل ما بين الفكر الثوري للخميني والمودودي نفسه، والذي بلغ إلى حد الإشادة من قبل المودودي، وهو ما لفت إليه “سيد ولي نصر” (أكاديمي أميركي من أصل إيراني، وابن الفيلسوف الإيراني البارز سيد نصر أستاذ الفلسفة والدراسات الإسلامية)، في رسالة الدكتوراه عن جامعة بيركللي كاليفورنيا حملت عنوان “طلائع الثورة الإسلامية الجماعة الإسلامية في باكستان”، وكتابه الآخر “المودودي وصناعة الإحياء الإسلامي” من جامعة أكسفورد للنشر، والتي قام بتأليفهما في التسعينيات الميلادية، اطلعت “العربية.نت” عليهما.
الخميني
أبو بكر البغدادي
كما ربط المؤلف سيد ولي نصر في كتابه بين الجماعة الإسلامية “جماعة المودودي” في باكستان وتطور الفكر الخميني. فالخميني الذي بحسبه لم يكن يطالب بأكثر من عودة دستور 1906م لإيران، إلا أنه وبتأثير من أفكار المودودي صعد الخميني من مطالباته ليؤلف كتاب الحكومة الإسلامية.
بالمقابل، أشاد المودودي نفسه بالثورة الخمينية الإيرانية ومباركاً لها، وبحسب ولي نصر “ردد المودودي أن ما حدث في إيران من البشائر التي تؤكد أنه سيحدث في باكستان”.
الدعوة السلفية النجدية براء من أفكار المودودي
في كتابيه الاثنين أنصف سيد ولي نصر الأكاديمي الإيراني الدعوة السلفية النجدية من تهمة تصدير الفكر التكفيري، وأعاد بالأدلة أصول أفكار الإسلام السياسي إلى صاحبها الحقيقي “أبو الإسلام السياسي أبو الأعلى المودودي”، مؤكداً بشكل صارم أن المودودي لم يتأثر بالدعوة السلفية النجدية، بل إن بذوره الفكرية من الجماعة السلفية الهندية.
كما أكد أن المودودي “لم يكن فرحاً بضم الحجاز إلى الحكم السعودي، إذ اعتبر أن هزيمة الشريف هي وأد للطموح بتأسيس دولة عربية هاشمية تلتحم مستقبلاً مع مشروعه الإسلامي. كما برهن المؤلف على أن القطبية ليست إلا ترجمة ذكية لأفكار المودودي، وأن التصعيد الخميني كان بتأثير منه”.
وأشار ولي نصر إلى أن سقوط الخلافة العثمانية سنة 1924م لم يكن وحده من أسباب المرارة التي أصيب بها المودودي، وإنما يورد نقلاً عن المودودي أن هزيمة الشريف حسين وضم الملك عبدالعزيز للحجاز قد سبب حسرة، فهو يرى أن فشل مشروع الشريف قد هدم كل أمل بقيام دولة عربية طموحة قد تلتحم بالعالم الإسلامي.
وعلق المؤلف في كتابه على ذلك: “أن المودودي استعمل مفهوم الجماعات المتخيلة قبل بنديكت أندرسون صاحب الكتاب الذي يحمل نفس العنوان، معتبراً ذلك النقطة الفاصلة في اتخاذ المودودي موقفاً معادياً من الدولة الناشئة في نجد والحجاز، فضلاً عن أن يتأثر بأئمة الدعوة، فلم تكن سوى سنوات حتى أعلن المودودي أن الإسلام بحاجة إلى قراءة تجديدية، واكتسب بسببها لقب مجدد بين أتباعه قبيل رحيله إلى باكستان”.
من هو أبو الأعلى المودودي؟
أبو الأعلى المودودي ابن سيد أحمد المودودي ولد في 25 سبتمبر 1903م، ولد في مدينة أورنك آباد الدكن بولاية حيدر آباد، بدأ حياته الدعوية بالدخول إلى ميدان الصحافة عام 1918م، وفي عام 1920م كون جبهة صحافية هدفها تبليغ الإسلام. أصدر مجلة ترجمان القرآن من حيدر آباد الدكن سنة 1933م، التي كان لها الدور الأبرز في نشر أفكاره في شبه القارة الهندية/الباكستانية، ما مهد له الطريق إلى تأسيس جماعته الإسلامية فيما بعد.
عن طريق مجلة ترجمان القرآن، وجه المودودي دعوة لعلماء المسلمين وقادتهم لحضور المؤتمر الذي عقد في أغسطس 1941 بلاهور بحضور 75 شخصاً يمثلون مختلف بلاد الهند وتأسس في هذا المؤتمر الجماعة الإسلامية وانتخب المودودي أميراً لها.
أبو الأعلى المودودي
أسست الجماعة عندما كانت شبه القارة الهندية تحت الاستعمار البريطاني وقبل الانقسام إلى باكستان والهند، ارتبطت أدبيات المودودي بالخلافة والحاكمية والجرائم ضد العثمانيين.
كما كان معارضاً لفكرة القومية، وأنها غير موجودة في الإسلام، وعارض ذلك بسبب استقلال باكستان وقيام دولة.
في 28 أغسطس 1947م ظهرت الباكستان بشطريها الغربي والشرقي (باكستان وبنغلاديش) دولة مستقلة عن الهند، وتبع ذلك ظهور قيادة جديدة للجماعة في الهند مستقلة بذاتها لتسهيل النواحي الإدارية.
واعتقل المودودي في حياته عدة مرات لمعارضته الحكومة الباكستانية، وحكم عليه في بعضها بالإعدام قبل تخفيف الحكم.
بعد ذلك عمدت الجماعة الإسلامية إلى إيجاد حركة طلابية إسلامية منظمة عرفت باسم “إسلامي جمعية الطالبة”.
توفي المودودي في سنة 1979م إثر عملية جراحية أجريت له في نيويورك ونقل جثمانه إلى لاهور.
نقلا عن :العربیه