إذا ما ربطنا المشهد في لبنان بالأزمة السورية ،كيف تقرأ وضع لبنان ؟
قبل أشهر تم انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية بعد فترة من الشغور في هذا الموقع، وبعدها تشكلت حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها معظم القوى السياسية في البلد ، ويستعد لبنان لإجراء انتخابات نيابية بعد عدة أشهر .
لذا فإن المشهد السياسي مستقر إلى حد ما، بمعنى أن القوى السياسية اللبنانية ترغب في تهدئة الأوضاع من أجل إطلاق النهضة الاقتصادية وانتشال البلد من الأزمة المالية والمعيشية، ولكن ثمة عائق أساسي يعترض هذا المسار، وهو وجود حزب الله، الشريك في الحكومة والبرلمان، والذي يمتلك ترسانة عسكرية تفوق بكثير ما تملكه الدولة اللبنانية ، وهو قادر في أي وقت على عرقلة الأمور الإيجابية وفرملة عمل المؤسسات الدستورية، عدا عن زج لبنان في الحروب الإقليمية والنزاعات المسلحة.
وقد سبق أن فرض إرادته السياسية على اللبنانيينَ بالاستقواءِ بهذا السلاحِ، فعطل انتخابات الرئاسة لمدة عامين ونصف، لغايات إقليمية، ثم عطل الانتخابات النيابية مرات عدة .
يمكن القول أنه لولا وجود حزب الله المسلح لكان لبنان بألف خير .
إذا ما ربطنا المشهد في لبنان بالأزمة السورية ،كيف تقرأ وضع لبنان ؟
من الطبيعي أن يـتأثر لبنان بالأزمة السورية، فالبلدان متجاوران، وبينهما علاقات وثيقة، فالحدود متداخلة ، والشعبان اللبناني والسوري مقربان جدا من بعضهما البعض، ولكن التأثير الطبيعي المفترض أن يقتصر على الناحية الإقتصادية والسياسية والاجتماعية، يمكن فهمه واستيعابه، وخُصوصا تدفق الإخوة النازحين السوريين إلى لبنان هربا من القتل بيد قوات الأسد، إلا أن حزب الله وبعض الجماعات المرتبطة بالنظام السوري وايران، ورطت لبنان في أزمة أمنية وعسكرية تركت آثارا سلبية كبيرة للغاية على كل مناحي الحياة في البلد، فقد انتقلت الحرب السورية بشكل من الأشكال إلى الداخل اللبناني.
واليوم فإن المشهد السياسي الهادىء نسبيا معرض للانفجار بسبب إصرار حزب الله والجماعات الأخرى على جر لبنان إلى تطبيع العلاقات مع النظام المجرم في دمشق، وهذا خروج عن الموقف العربي والدولي ، ويشكل تحديا كبيرا للبنانيين الذين يعارضون بغالبيتهم هذا التوجه.
هل تعتبر أن حزب الله تورط في سوريا ؟
لم يورط أحد حزب الله في سوريا ، بل هو ذهب في العام 2012 صاغرا مذعنا للأمر الإيراني من الولي الفقيه خامنئي نجدة لنظام بشار الأسد الذي كان يوشك على السقوط .
اليوم يوجد عشراتُ آلاف المقاتلين للحزب في سوريا، وقد سقط منهم آلاف من القتلى والجرحى والأسرى، ويعتمد النظام السوري على هذه القوات بالاضافة إلى ميليشيات إيرانية وأفغانية وعراقية للقتال في الجبهات المهمة، لأن هذا النظام لا يستطيع الاعتماد على قواته من السوريين، فهم يفتقدون الدافع والشراسة اللازمة لقتل أبناء بلدهم السوريين .
نعم حزب الله اداة للقتل في سوريا، كرمى لعيني الولي الفقهي الإيراني، وهذا ما جلب على الطائفة الشيعية الويلات، من حيث الخسائر البشرية والمادية، كما استجلب لها العداء من مختلف فئات الشعب السوري والشعوب العربية، بالإضافة إلى انتقال الصراع إلى قلب لبنان من خلال استهدافه بالقصف والتفجيرات في الأحياء السكنية.
من المستفيد من إحياء الحرب الطائفية ؟
المستفيد هو من يسعى إلى تفتيت الدول العربية الواحدة تلو الأخرى تمهيدا للهيمنة عليها ، هذا ما فعلته إيران في العراق على سبيل المثال لا الحصر ، فقد أيدت الهجوم الأمريكي الدولي على نظام صدام حسين لإسقاطه، ثم استفادت من حالة التفكك التي أصابت الدولة العراقية لترسل جماعاتها وتتغلغل في مختلف المناطق، وكان الحرس الثوري الإيراني يزود المتطرفين الشيعة والسنة على السواء بالأسلحة والمتفجرات ليستهدفوا بعضهم البعض، وعندما لم يفلح ذلك في تفتيت العراق، فتح الباب لنمو تنظيم داعش الإرهابي ليحتل أجزاء واسعة من العراق، ليرد الشيعة بتشكيل الحشد الشيعي ليحتدم القتال على أساس مذهبي .
نحن نؤكد ان داعش لا يمثل السنة ولا الحشد الشعبي يمثل الشيعة، وإنما هما أداتان بيد إيران ودول أخرى ومهمتهما تفتيت العراق. فإذا نجح هذا المخطط يمكن نقل التفتيت المذهبي إلى دول أخرى .
مؤخرا كانت هناك عملية للجيش اللبناني ضد “تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية ” في بعض المناطق في لبنان، من هو ” تنظيم الدولة الإسلامية ” ومن يقف خلفه ؟ وما الذي أتى به إلى لبنان ؟
كما أسلفنا فإِنَ تنظيمَ داعش نشأ في العراق على أيدي منشقين عن تنظيم القاعدة الإرهابي، وقد استفاد داعش من تراخي الحكومة العراقية آنذاك برئاسة عميل إيران نوري المالكي ليتمدد بدعم إيراني في وسط وشمال العراق، ثم إلى داخل الأراضي السورية، وعلى الحدود مع لبنان .
لم يقاتل النظام العراقي آنذاك والنظام السوري وحزب الله في لبنان داعش، كما أن هذا التنظيم امتنع عن قتال هؤلاء وركز جهوده على تصفية قوى المعارضة السورية المسلحة، فخدم بشار الأسد ومكنه من تحقيق سلسلة انتصارت ، وما إن انتهى الدورُ المطلوبُ من داعش في هذه الدول قررت طهران ودمشق بأن يكون وقت انهاء سيطرته قد حان، فهوجم في الموصل العراقية وفي الرقة السورية.
أما في لبنان فقد جرت تسوية بين حزب الله وهذا التنظيم للانسحاب بباصات مكيفة إلى منطقة الحدود السورية العراقية .
وقد علمنا أن ثمة مخطط بنقل كل بقايا داعش إلى العراق وبعدها إلى السعودية، وهذا لن يحصل بفضل حكمة ووعي القيادة السعودية، وخصوصا مع تطبيع علاقاتها مع كل المكونات العراقية الشريفة.
الكل يهدد إيران في العلن وتحت الطاولة يطلبون ودّها ،بماذا تفسر هذه التصرفات ؟
لا أحد من العرب المخلصين لأمتهم ودينهم يطلب الود من إيران ، بل تخوض الدول العربية بقيادة المملكة العربية السعودية مواجهة ضارية ضد المشروع التمددي المذهبي الشيعي الصفوي والإمبراطوري الفارسي داخل بلادنا العربية .
أما في الغرب فقد اعتدنا أن الدول هناك تبحث عن مصالحها الخاصة، وهي إذ تستنكر السلوك الإرهابي لحكم الملالي في طهران، فإنها تسعى إلى عقد اتفاقيات تجارية معه تنعش الاقتصادات الغربية وتؤمن ملايين فرص العمل في ظل بطالة حادة تصيب المجتمعات الأوروبية .
من وجهة نظرك ماهي أسباب الأزمة الخليجية ؟وماهي تداعياتها على المنطقة العربية برمتها ؟
هذه أزمة مؤسفة لأن أطرافها دول عربية شقيقة، وأعتقد أن المستفيد الأول منها أعداء العرب، وفي طليعتهم إيران ، التي تلعب على التناقضات الخليجية من أجل تعزيز موقعها في الإقليم ككل .
كيف ترون مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية في ظل رئاسة ترامب للبيت الأبيض ؟
السياسة الخارجية الأمريكية لا تتأثر كثيرا بتغير الرؤساء لأن ثمة ثوابت استراتيجية لديهم يحافظون عليها، وهامش تحرك أي رئيس يضيق ويتوسع وفقا لظروف وأوضاع ومعطيات معينة .
من هذه المعطيات التي قد تغير في النهج الأمريكي اتجاه قضية ما، تحرك أصحاب هذه القضية على المستوى الدولي والقيام بما يلزم ميدانيا وسياسيا من أجلها. مثال على ذلك فإن الإدارة الأمريكية السابقة أهملت الملف العربي وغضت الطرف عن السلوك الإيراني المدمر للإقليم ، لأنها كانت تعتبر المسألة النووية أولوية، ومع مجيء ترامب إلى الحكم وتحرك العرب باتجاه أمريكا، بالإضافة إلى ما تم تحقيقه على الأرض من تصد عربي ناجح للمخططات الإيرانية، سواء في اليمن أو العراق أو سوريا، بدأت الإدارة الجديدة تفكر بشكل مختلف، ومع حفاظها على الاتفاق النووي مع إيران إلا أنها بدأت تتصدى لها في الكثير من ملفات المنطقة .
في كل الأحوال قد تتأثر السياسة الأمريكية بالأوضاع الداخلية للولايات المتحدة ، وما يهمنا نحن العرب، أن نحافظ على صوتنا مرفوعا في المحافل الدولية وأن نتولى بأنفسنا معالجة قضايانا وعدم التنازل عن ثوابتنا، وعندها ستتحرك كل الدول وتقف إلى جانبنا لأننا أصحاب حق.
في النهاية أترك لك سيدي الكلمة :
كلمتي الأخيرة هي دعوة متجددة إلى وحدة الصف العربي والإسلامي في مواجهة عالم متغير ومتقلب الأهواء والمصالح، ونحن كعرب نخوض معركة مصير ضد من يحاولون مصادرة قرارنا وتفتيت بلادنا، فالأمة العربية والإسلامية ، أمة رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ) ذات التاريخ المجيد لن تسقط، وستقوى على كل أعدائها بإذن الله تعالى .
د. محمد علي الحسيني
الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي