بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين، إله الأولين و الآخرين، قيوم السموات والأرضين، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده و رسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه و على آله و صحبه، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما کثيرا، أما بعد، فيا عباد الله أوصيکم ونفسي بتقوى الله عزوجل، وأن نقدم لأنفسنا أعمالا تبيض وجوهنا يوم نلقى الله(يوم لاينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم(>
أيها المٶمنون
يتشوق عباد الله الصالحون في هذا الوقت من کل عام إلى بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج، وتتقطع قلوبهم ألما و حسرة على فواته، وکيف لا وقد أمرنا سبحانه و تعالى بذلك فقد جاء في القرآن الکريم:”ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا”، ثم هدد الله سبحانه و تعالى تارکه القادر بغير عذر ، فقال:”ومن کفر فإن الله غني عن العالمين”، وهذه آية عظيمة تبين خطر ترکه مع القدرة عليه إن لم يحج فرضه.
كما أكد رسول الرحمة سيدنا محمد”ص” على أداء هذه الفريضة، ذلك أن للحج فضائل کثيرة ومتنوعة نصت عليها الأحاديث ومنها:
أنّ الحاج يعود من ذنوبه كيوم ولدته أمه، كما: قال رسول الله”ص”: “من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه”. متفق عليه.
ومن فضائل الحج أنه أفضل الجهاد، عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل الأعمال، أفلا نجاهد؟ قال: “لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور” . “والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة”. متفق عليه.
وقد ذكر أهل العلم أن الحج يجب فورا على كل مسلم عاقل، بالغ حر مستطيع للحج، يملك الزاد والراحلة.
کما أننا يجب أن نٶکد أيضا على أن هذه الشعيرة مما يحقق التوحيد، أي التوحيد الذي خلق الله لأجله السموات و الارض:”وإذ بوأنا لإبراهيم مکان البيت أن لاتشرك بي شيئا و طهر بيتي للطائفين والقائمين والرکع السجود”، ولأجل تحقيق التوحيد كان خير دعاء يقوله الحاج على الإطلاق في يوم عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
بالحج يتربى المسلم على التسليم والانقياد لله، فإذا تنقل بين المشاعر، وطاف بالبيت العتيق، وقبل الحجر الأسود، ورمى الجمرات؛ فقد انقاد لله، وأطاعه؛ لأن الله عز وجل أمر عباده بالحج، ويدخل في ذلك كل واجب، وكل ركن، وكل ما لا يتم الحج إلا بالإتيان به.
عباد الله ومع هذه الفضائل و هذه الأهمية، إلا أننا نجد من أمة الإسلام من يمر عليه السنون و تتوالى عليه الأعوام ولم يحج مع قدرته، وکأن الحج قد فرض على غيره، وقد صار معلوما أيها المٶمنون من الدين بالضرورة أن الحج رکن من أرکان الإسلام و مبانيه العظيمة، فيا من أنعم الله عليه بالصحة و العافية و رغد العيش وأمن الطريق و توفر وسائل السفر المريحة الآمنة، بادر إلى حج بيت الله الحرام، وأد فرضك قبل أن يحج عنك أقاربك، وتأخذك المنون قبل الحج الواجب، وأن تحج بنفسك خير لك من أن يصدق عليك أحد أقاربك بالحج نيابة عنك، فکم من مسلم حبسه جسده المريض عن الحج، واضطر الى استنابة غيره في حج الفريضة.
أيّها المٶمنون: واجب علينا أن نذكركم أنه لايحل لزوج أن يمنع زوجته من أداء فرضها، ولا لوالد أن يمنع ولده من أداء فرضه بُخلا أو خوفا عليه، فإن الشفقة الحقيقية هي في الخوف على الأولاد من عقوبة الله تعالى بترکهم فرائض دينهم، بل إن الواجب على الزوج أن يأمر زوجته بالحج و يحثها عليه، لأنّه أمرها بالطاعة، وإن رافقها إلى الحج أو دفع نفقة حجها وحج محرمها معها کان ذلك إحسانا لعشرتها، وعونا على أداء فرضها. وفي قصة الرجل الذي اکتتب في الغزو و امرأته حاجة أمره النبي”ص” بأن يترك الغزو فقال له عليه الصلاة و السلام:”ارجع، فحج مع امرأتك”.
وكذلك ينبغي لمن تحت يده العمالة السماح لهم بأداء فريضة الحج ولا يتعذر بحجة أن العمل يتعطل أو أن المكفول جديد ولا بد أن يمضي عددا من السنوات حتى يأذن له بالحج، فلربما سافر العامل وضاعت عليه فرصة الحج.
أيّها المٶمنون: على كل من نوى الحج أن يستعد له مبکرا باختيار حملته، واستخراج التصريح الخاص به، وتعلم أحکامه، فإن کثيرا من الناس يفوتهم قضاء فرضهم في کل عام بسبب تأخرهم في الاستعداد للحج، فإذا أغلقت الحملات تسجيلها،
وامتلأت بحجاجها، تعلل بأنه لم يجد حملة يحج بها، وهذا دأبه في كل عام، ويظن أن هذا عذر صحيح، ونسي أن التفريط منه لا من غيره.
يا عباد الله من كانت نفسه تتوق إلى الحج وتتلهف إلى بيته العتيق وأداء هذا الركن العظيم فحال دون ذلك عجز مالي أو ضعف صحي أو مانع أمني فأبشر بالخير لأن نيتك قد بلغت مبلغها.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.
محمد علي الحسيني
٢٠١٧/ ١٤٣٨
*العلامة الدكتور السيد محمد علي الحسيني الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان .