الحريري انحاز إلى بري بعد «اشتباك» باسيل معه/وليد شقير

الحريري انحاز إلى بري بعد «اشتباك» باسيل معه ومصلحته و «حزب الله» بقاء غطاء الحكومة

تبدد الانطباع بأن الخلافات التي نشأت في لبنان بين الفرقاء، على مسألتي العلاقة مع النظام السوري، وصلاحيات المؤسسات في شأن المخارج من مأزق إبطال المجلس الدستوري قانون الضرائب، قد تهدد الحكومة الائتلافية التي يرأسها زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري. لكن أوساطاً وزارية وسياسية اعتبرت أنه على رغم ختم توترات الأسبوعين الماضيين بتسوية، فإنها تركت ندوباً في علاقات عدد من الفرقاء.

وساد الانطباع بأن الحكومة قد تهتز لبضعة أيام بفعل تصاعد السجال حول اجتماع رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل مع نظيره السوري وليد المعلم بين فريق الحريري الحكومي، وبين فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. ومع أن بعض التسريبات تحدث عن غضب الحريري من أن محاولة فرض التطبيع مع نظام بشار الأسد كاد يدفعه إلى طرح فكرة الاستقالة، فإن أوساط «المستقبل» سارعت إلى نفي ذلك، بينما أشارت مصادر أخرى إلى أن أقصى ما تداوله بعض محيط رئيس الحكومة هو أن يلجأ إلى الاعتكاف، إذا تزايدت الضغوط عليه. وقال بعض المطلعين على ما يفكر به هذا المحيط أن هاجسه كان فصل التأزم حول التطبيع مع النظام السوري عن مأزق إبطال المجلس الدستوري لقانون الضرائب، لأن الهم الأساس إيجاد حل للخلاف حول هذا الموضوع، لسببين: الإسراع في إخراج الاحتجاجات من الشارع ووقف الإضرابات، والثاني تفادي تنفيذ أي مخرج بدفع ما يستحق للموظفين والأساتذة والعسكريين، من دون ضمان الواردات لتغطية الكلفة، بالضرائب، لأن استمرار الخلاف يدخل البلد في دوامة قد تهدد الحد الأدنى من الاستقرار المالي. ويقول محيطون بالحريري أنه أخذ قراراً مسبقاً بعدم الوقوع في فخ السجال داخل مجلس الوزراء على العلاقة مع نظام الأسد، قبل الانتهاء من التوافق على المخرج من إبطال قانون الضرائب.

وإذا كان المراقبون وجدوا في هذا المخرج (لإقراره في البرلمان الأسبوع المقبل)، مناسبة جدد فيها الحريري تأكيد استمرار «التوافق» الذي سمح بالحل، فإنه أوحى بأن هذه الصيغة لم تنته صلاحيتها وأن الخلاف العلني في شأن العلاقة مع نظام دمشق والتواصل معه، لن يكون سبباً لتهديد الاستقرار الحكومي.

إحراج الحريري

وخلافات الأيام الماضية رسمت صورة عن الإحراجات التي وقع فيها الفرقاء الأساسيون إزاء احتمال تهديد التباين في المواقف، التسوية التي أدت لانتخاب عون رئيساً وتشكيل الائتلاف الحكومي ووضع البيان الوزاري. ويغلب الاعتقاد لدى محيط الحريري وأوساط وزارية بأن الأكثر إحراجاً كان الحريري و «حزب الله»، اللذان وقع كل منهما بارتباك بين حليفين، عون وبري، بفعل الخلاف على الصلاحيات حول المخرج من مأزق إبطال قانون الضرائب.

فالرئيس بري ذهب في الاحتجاج على «التعدي على صلاحيات البرلمان ورئيسه» إزاء إصرار عون على ضم قانون الضرائب الجديد للموازنة وتفسير إبطال المجلس الدستوري الضرائب بأنه لا يحق للبرلمان التشريع الضريبي خارجها، إلى حد التحذير من «قتل الطائف». وعلى رغم أن كلامه هذا بدا موجهاً إلى المجلس الدستوري، فإن من يعرف أن بري يجيد لعبة «البلياردو»، يدرك بأنه أراد من التصويب على إحدى الطابات، إصابة طابة أخرى. وتقول مصادر وزارية أنه لم يكن في وسع الحريري سوى أخذ موقف بري في الاعتبار في وقت تزداد المآخذ عليه سنياً وإسلامياً، ومن بعض رفاقه القدامى في 14 آذار، بأنه يغالي في تقديم التنازلات لعون وباسيل ومسايرتهما في سياسة قضم النفوذ في السلطة باسم حقوق المسيحيين، لا سيما بعد أن ذهب الأخير إلى ما يشبه التحدي في لقائه نظيره السوري وليد المعلم الذي اعتبره محيط الحريري خرقاً للتسوية مع عون. وتتعرض مقولة زعيم «المستقبل» بأنه متفاهم مع عون على كل شيء وأن الأخير يراعي مطالبه والكيمياء بينهما «ناجحة»، للتشريح والنقاش في أوساط قيادة «المستقبل». وفي النقاش العميق بين المحيطين بالحريري ووزرائه يرى بعض هؤلاء أن خطاب الوزير باسيل هو خطاب ما قبل التسوية على انتخاب العماد عون. ويكشف غير مصدر سياسي ونيابي أن بري لم يخف «عتبه الكبير» على الحريري في الأشهر الماضية، لأنه يكثر من مراعاة عون وباسيل في العديد من الملفات التي يرى رئيس البرلمان أن على رئيس الحكومة أن يكون أكثر تشدداً فيها، وأنه غير مرتاح لسعي «التيار الحر» إلى تكريس أعراف تعدل في التوازنات التي أرساها اتفاق الطائف، إلى أن حصل اجتماع مصارحة بينهما على هامش الجلسة التشريعية في 19 أيلول (سبتمبر) الماضي تفاهما خلاله على العديد من الأمور. ولذلك ومنذ صدور قرار المجلس الدستوري، حرص وزراء الحريري بحسب المصدر الوزاري، على تأكيد حق البرلمان بالتشريع الضريبي خارج الموازنة في اقتراحات قدموها لأول اجتماع للكتل الممثلة في الحكومة قبل أسبوع، واستهجنوا الإصرار العوني على دمج قانون الضرائب المصحح، بعد الإبطال، بالموازنة. ويقول المحيطون برئيس الحكومة إنه على رغم ذلك تقصد التأكيد بأنه يسير بأي حل يتوافق عليه الرئيسان، من باب حرصه على مخرج سريع من المأزق كرئيس للحكومة. وهو كان قلقاً إزاء احتمال حصول اصطفاف مسيحي وراء مطلب عون تعديل الدستور لإجازة تمرير الموازنة من دون قطع حساب، مقابل معارضة الأكثرية ذلك. والحريري دأب على تحييد عون عن اللغة التي يستخدمها باسيل من أجل ترجيح التسويات كما حصل أخيراً، وهكذا يفعل «حزب القوات اللبنانية».

«حزب الله» واندفاعة باسيل

أما «حزب الله»، فإن نوابه أول من انتقدوا قرار المجلس الدستوري رافضين المس بصلاحيات البرلمان ورئيسه. ويعتبر الحزب أن الحلف بينه وبين الرئيس بري فوق كل التحالفات، لكنه لا ينوي التخلي عن الصفة الاستراتيجية لتحالفه مع عون الذي يتناغم معه في الخيارات الإقليمية وقضية سلاح المقاومة في مواجهة الضغوط الغربية والعربية للابتعاد عن الحزب. ويقول مطلعون على موقف الحزب أنه مع إدراك قيادته أن فريق رئيس الجمهورية يسلفه المواقف الإقليمية، ليحصل على تأييده في اندفاعاته المحلية داخل السلطة، وأن هذه القيادة لم تخف معارضتها لهذه الاندفاعات بمواقف «ناعمة» داخل مجلس الوزراء، لكنها لن تساير على الإطلاق في ما يخص صلاحيات البرلمان وبري. وأشار المطلعون إلى أن هذه المعادلة حكمت جهود الحزب مع كل من عون وبري، التي رجحت المخرج الذي انتهت إليه الحكومة.

ويلخص مصدر سياسي التسوية بالقول، إن معاكسة «التيار الحر» الحريري في الخيار الإقليمي جعلته يتناغم مع بري في الشأن المحلي أكثر، فيما حملت اندفاعة «التيار» في المسائل الداخلية «حزب الله» إلى الانحياز لبري لرفضه الإفادة من تقارب عون معه في السياسة الخارجية من أجل الاشتباك مع بري في الشأن المحلي. بل إن قياديين في الحزب لم يستبعدوا أمام متصلين بهم، الاستنتاجات التي يلغط بها بعض الأوساط بأن الوزير باسيل يستعجل في بعض اندفاعاته المحلية تقديم نفسه مرشحاً لرئاسة الجمهورية. ويقول متصلون بقيادة الحزب، أنه ليس مرتاحاً لذلك لأن مرشحه المقبل للرئاسة، حتى إشعار آخر، هو رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية وليس في وارد استبعاده.

الخلاف الإقليمي والحكومة

هل يهدد الخلاف على التواصل مع نظام الأسد، والذي حوله لقاء باسيل- المعلم إلى أول اشتباك سياسي واضح بين عون والحريري، الحكومة إذا كانت «تسوية الضرائب» كرست التوافق فيها؟

يتفق غير مصدر من أوساط الحريري وغيره على استبعاد ذلك، معتبرين أن هذا العنوان سيبقى مطروحاً والخلاف حوله سيبقى قائماً تحت سقف. ويرى أحد القياديين الرافضين لـ «إلحاق لبنان بمحور إيران سورية»، أن تسويغ التطبيع مع نظام الأسد بحجة إعادة النازحين وتصدير البضائع اللبنانية، له ما ينقضه من حجج مقابلة.

أما إذا كان بهدف إلحاق لبنان بالمحور لأن ميزان القوى يميل إلى إيران والنظام، فإن الفريق المقرر في التحالف الموالي لهذا المحور، أي «حزب الله»، أمامه أسئلة كبرى: هل سيشمل لبنان في المواجهة التي يخوضها مع المحور العربي ودول الخليج؟ كيف تشكل الحكومة البديلة التي ستهيئ للانتخابات النيابية، وبرئاسة من، بعد أن أثبتت تجربة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أن الأخير أبقى على التواصل مع المحور العربي ولم يتطابق كلياً مع ما يريده الحزب؟ وهل يتحمل لبنان والعهد القطيعة مع المحور العربي مثلما حصل عام 2011؟

أما من جهة الفريق الآخر، فإن الأسئلة لا تقل أهمية: إذا كان معارضو النفوذ الإيراني- السوري المتمثل بـ «حزب الله» يعملون على الحد من طغيان «دويلته» على الدولة، فهل يتم تسليم مقاليد الأمور للدويلة بالكامل؟ وإذا كان الهدف من التسويات الداخلية تجنيب لبنان الدخول مجدداً في المواجهات الإقليمية، فكيف يتم تسليمه للمحور الإيراني- السوري؟

في رأي مصدر سياسي أن «حزب الله» ما زال يعتبر التسوية التي أنجبت حكومة الحريري سارية المفعول، وأن مع تصاعد الاضطراب في المنطقة، وفي مصلحته تجنيب لبنان الانغماس فيها في وقت ما زال يخوض المعارك في سورية، وأن سياسة الحريري إبعاد الخلافات الكبرى عن الحكومة أكثر نجاحاً من إقحامها فيها كونها تشكل تغطية له، مع تزايد الضغوط المرشحة للتصاعد، عليه، بوجود السني الأقوى والمعتدل على رأسها، والأفضل بقاؤه على الأقل حتى الانتخابات. وفي تقدير المصدر أن مطلب الانفتاح على النظام السوري مصدره إلحاح دمشق أكثر مما هو أولوية إيرانية.

نقلاعن ایلاف