عاشق المستحيلات في قمة الحكومات بدبي/عبدالله المدني

4399
استضافت القمة العالمية للحكومات التي عقدت جلساتها ما بين 12 – 14 فبراير بحضور نحو 4000 شخص من 139 بلدًا، والتي كان لي شرف المشاركة فيها بدعوة كريمة من المجلس التنفيذي لحكومة دبي، المليادير الكندي /‏ الامريكي من أصول جنوب أفريقية «إيلون ماسك Elon Musk» الذي تطلق عليه ألقاب كثيرة مثل «عاشق المستحيلات» و«الرجل الحديدي» و«الطامح لتحسين الكون وحل مشاكل المجتمعات البشرية»، و«مجنون الاختراع والابتكار» و«المهووس بالفضاء وكائناتها».

الكثيرون سمعوا باسم هذا العبقري، الذي يذكرنا بنوابغ الغرب القدامى الذين وقفوا وراء مخترعات أو نظريات ساهمت في إسعاد سكان كوكب الأرض من أمثال إينشتاين، وفورد والأخوين رايت، وأديسون، وماركوني، وكاريير، وغيرهم. لكن هناك من لم يسمع به ولا يعرف أنه مهندس ومخترع ورجل أعمال، درس الفيزياء والاقتصاد وإدارة الأعمال في كندا والولايات المتحدة، وكان على وشك مواصلة دراسته في جامعة ستانفورد الأمريكية العريقة لنيل درجة الدكتوراه لكنه آثر أن يحقق طموحاته من خلال العمل في حقل الانترنت وعوالم الفضاء الخارجي والطاقة المتجددة، ليصبح خلال سنوات قليلة بفضل طموحه وذكائه وعبقريته وعدم اعترافه بالمستحيلات مؤسسًا ومديرًا تنفيذيًا لعدد من الشركات المعروفة على مستوى العالم (مثل شركة «باي بالPAYPAL» التي أوجدت خدمات الدفع عبر الانترنت وخدمة التبادل النقدي، وشركة «سبيس إكس Space X» التي تقوم بتصنيع المركبات الفضائية وصواريخ الفضاء وتزويدها بأحدث المعدات التكنولوجية وتتعاون مع وكالة ناسا لتقديم الخدمات المختلفة لمحطة الفضاء الدولية، وشركة «تسلا موتورز Tesla Motors» المنتجة للمركبات الكهربائية بالتعاون مع تويوتا اليابانية).

وماسك هو ايضا مبتكر بعض الأنظمة والتكنولوجيات المساهمة في رفاهية البشرية مثل نظام النقل العالي السرعة المعروف باسم «هايبيرلوب Hyperloop»، وهو نظام لنقل الركاب بين مدينتين في فترة زمنية قياسية عبر دفعهم بسرعة عالية في أنابيب الضغط المنخفضة.

ولأن الرجل لا يزال يحير العالم بأفكاره الغريبة، ولأن في جعبته الكثير من الأحلام التي تشبه روايات الخيال العلمي، فقد دعاه منظمو القمة العالمية للحكومات لحضور قمة العام الماضي، لكنه اعتذر بحجة أن ليس لديه متسع من الوقت لأنه مشغول بالصين، التي باتت تتفوق كما على الولايات المتحدة لجهة استخدام منتجاته من المركبات الكهربائية بدليل بلوغ مبيعاتها الرقم 600 ألف مقابل 300 ألف في الولايات المتحدة في عام 2016. على أنه وافق هذا العام على الحضور والمشاركة من خلال جلسة حوار ثنائية مع معالي محمد عبدالله القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء والمستقبل في حكومة الإمارات. في هذه الجلسة التي تابعها بشغف عدد كبير من الحضور، أفصح ماسك عن أسلوبه في توظيف من يعملون معه فقال إنه يكتفي بسؤالهم سؤالاً واحد هو: «حدثني عن أصعب مشكلة واجهتها في حياتك وكيف تغلبت عليها؟»، موضحًا أن طريقة إجابة المتقدم لشغل الوظيفة على هذا السؤال هي وحدها التي تقرر صلاحيته من عدمها، فإن خاض في تفاصيل كثيرة لا داعي لها فهو لا يصلح والعكس صحيح!

كما أفصح الرجل عن بعض ما يشغله في الوقت الحاضر ويحاول إنجازه قبل أن يموت على كوكب آخر غير كوكب الأرض الذي ولد عليه، مثل كوكب المريخ الذي سيكون، طبقا له، متاحا للسفر إليه والإقامة فيه أمام سكان الأرض خلال أقل من قرن واحد. فقال ما مفاده إن أكثر ما يشغله هو إيجاد حلول لواحدة من أهم المشاكل التي يواجهها البشر يوميًا في المدن الكبيرة، وهي مشكلة الإزدحام المروري المفسد للبيئة والموتر للأعصاب والهادر للوقت. وفي هذا السياق رأى أن الحل يكمن في بناء أنفاق تحت الأرض بعدد من الطوابق يتراوح ما بين 20 – 50 طابقًا على نحو ما ينوي القيام به في العاصمة الأمريكية (واشنطون دي سي)، مضيفًا أن التحديات المرتبطة بهكذا مشروع تشتمل على السرعة والأمان والنفقات فحسب.

ومن جانب آخر، تطرق ماسك إلى ما ينتظر العالم من تطورات تكنولوجية ستغير حياة المجتمعات بشكل جذري، فأشار إلى السيارات ذاتية القيادة الأكثر أمانًا والتي صارت أمرًا واقعًا، لكنها تحتاج إلى نحو عقدين أو أكثر للانتشار وسحب البساط من تحت أقدام السيارات التقليدية. وقد برر تأخر انتشارها بضرورة إيجاد تشريعات مرورية وتأمينية جديدة، وإعادة تخطيط الطرق والإشارات، وإحداث ثورة توعوية في المفاهيم السائدة حول متعة القيادة والتحكم الشخصي في أجهزة السيارة. وبطبيعة الحال لم يغب عن الرجل أن يشير إلى أهم أثر سلبي لهذا الاختراع الجديد، ألا وهو تسببه في خلق نسبة بطالة عالية في صفوف سائقي المركبات، الأمر الذي يستوجب إيجاد حلول للمشكلة من الآن.

تحدث ماسك أيضا عن «الذكاء الصناعيArtificial Entelligence» وحذر المسؤولين والحكومات من خطورته، وطالب الباحثين بعدم الانجراف المبالغ وراءه لأنه قد يخرج الأمر من أيديهم فلا يتمكنون من التحكم به. وتحدث عن السيارات الكهربائية ومستقبلها في منطقة الخليج فقال ان شركته «تسلا» سوف تستثمر عشرات الملايين من الدولارات في الامارات العربية المتحدة في مشاريع تتعلق بوسائل التنقل الكهربائية، وأكد أنه بحلول العام 2018 سيتمكن المقيمون بدول مجلس التعاون من التنقل بمركبات كهربائية على نحو ما يحدث في دول أخرى.