إيران التي يقلقها ودّ ترامب لبوتين!/بقلم: محمد قواص

4450
في معرض لعبها مع من انتقتهم كأعداء لها في سوريا، تجد طهران الآن إنها سلمت الملف العزيز على قلبها لبوتين.

لن يلغي الرئيس الأميركي المقبل دونالد ترامب الاتفاق النووي مع إيران، وما يعتبره “اتفاقاً سيئا أحمقا” لا تسري عليه إلا قوانين الإصلاح. وليس صحيحاً أن طهران قلقة من تهديدات رجل أميركا الجديد، ففي ردود الأوروبيين على تهديدات ترامب ما يطمئن إيران أن لا خطر على نصوص الاتفاق متناً وهامشا.

لم ينتخب الأميركيون دونالد ترامب بسبب موقفه من إيران ومن الاتفاق معها. جل المواطنين في الولايات المتحدة لا يعرفون شيئا عن الاتفاق ولا يهمهم أن يعرفوا، كما أن جل المواطنين هناك لا يعلمون لماذا جهدت إدارة الرئيس باراك أوباما للتوصل إلى هذه التسوية، حتى أنهم لا يدركون لماذا يفخر أوباما بتشييد هذا الاتفاق ولماذا يفاخر خليفته متوعداً بتدميره.

يطل ترامب من شرفاته متوعداً طهران والاتفاق معها، فيما المنتقدون لهذا الاتفاق في المنطقة لم يعودوا يودون فقدان هذا المنجز. تعرف إسرائيل أنه ممنوع عليها القيام بأي تدبير عسكري ضد البرنامج النووي الإيراني، على ما وعد وتوعد بنيامين نتنياهو، دون رعاية جدية من الولايات المتحدة. ويعلم العرب المتخوفون من البرنامج النووي أن ترامب، كسلفه، يدعو إلى إنسحاب بلاده من أي صدام عسكري مجاني، خصوصا حين لا يهدد الخصم أمن الولايات المتحدة. وبالتالي فمن الأفضل للجميع في المنطقة الاستكانة إلى اتفاق دولي يُخضع البرنامج النووي الإيراني لمراقبة المجتمع الدولي من تركه يترعرع دون قيود وبلا أي رادع عسكري ممكن.

وليس عسيراً للمراقب أن يلاحظ أن هناك فرقا كبيرا بين موقف إسرائيل من البرنامج النووي الإسرائيلي وتخوف المنطقة العربية من هذا البرنامج. لا بل أن لحجج إسرائيل ترياقاً لا يبخل المجتمع الدولي بتقديمه لكي لا يتعرض أمنها الإستراتيجي والوجودي لأي أذى، فيما أن التخوف العربي متأسس على كون الأخطار لا تكمن في الجانب التقني الذي يمثله سلاح إيران النووي ضد المنطقة فحسب، بل من مفاعيل النفوذ الذي توفره القوة النووية داخل يوميات بلدان المنطقة.

على هذا يتواطأ العالم بخبث للحفاظ على البرنامج النووي ضمن قيوده المدنية، وبالتالي تأجيل نموه العسكري. فإذا ما كانت الترسانة النووية الإسرائيلية ضمانة تل أبيب في شل أي قنبلة نووية إيرانية موعودة، فإن الضمانات التي يقدمها الموقعون جميعاً على أوراق الاتفاق النووي الشهير لإسرائيل تبث في ثناياها إغفالاً لتمدد إيراني في المنطقة لا يبدو أن حبر الاتفاق قد لحظ أي مضمون لردعه.

تبدو إيران مدركة أن ضجيج دونالد ترامب لن ينتج أي حجيج، وأن تلك الظاهرة التي تتقدم باتجاه البيت الأبيض تسبب قلقا على مستوى العالم أجمع، بحيث تحوّل إيران إلى حجر من حجارة هذا العالم القلق. فجأة تجد طهران نفسها وقد أضحت، وبشكل مجاني، جزءا من هذا العالم المدافع عن الاتفاق معها والقلق من “الترامبية” بوجهها المعروف أو المرتجل كل يوم. فإذا ما خرج وزير الخارجية الأميركي المعين ريكس تليرسون بخلاصة تقول إن الاتفاق يحتاج إلى “مراجعة كاملة”، فإن لتلك المراجعات سياقات ومواعيد وحقب تحيل أمر إعدام الاتفاق معلّق حتى إشعار آخر.

قد يبدو دونالد ترامب أقرب هذه الأيام إلى قلب طهران مقارنة بالعلاقة الملتبسة مع الحليف في موسكو. فإذا ما قررت واشنطن مناكفة موسكو على النحو الذي يطالب به الداخل الأميركي والخارج الأطلسي، فإن طهران مضطرة إلى تمتين تحالفها مع روسيا، طالما أن لا انفراج قريبا محتملا في علاقة إيران مع الولايات المتحدة. وإذا ما نجح دونالد ترامب في تجاوز العقبات التي تضعها “أميركا العميقة” المتحالفة مع الأطلسيين في العالم لعرقلة تقاربه واتفاقه مع بوتين، فإن طهران ستدفع لا شك ثمن هذا التقارب بين “الجبارين”، الذي لطالما أغفل مصالح القوى الإقليمية مهما علا شأنها.

لكن ما يقلق طهران أيضاً أن سيناريو الخلاف بين واشنطن وروسيا في إمكاناته المحتملة، على ما يطالب الأطلسيون، هو كسيناريوهات الوفاق المحتمل بين واشنطن وموسكو، لجهة التسليم بالرعاية الروسية لأي حل في سوريا. ولئن احترم اوباما نفسه هذه الرعاية، رغم إدعائه مناكفتها، وشرّع لها النوافذ من بوابة الإستقالة الأميركية في سوريا، فإن خطاب ترامب المعلن في الشأن السوري مستسلم للنهج الروسي معجب بعبقرية فلاديمير بوتين ووسائله الـ “غروزنية”، ممدِّد لإستقالة الولايات المتحدة عن أي فعل في ذلك البلد.

تبدو إيران أقرب إلى وجهة نظر شركائها الغربيين في الاتفاق النووي. فهؤلاء معادون للشريك الأخر في هذا الاتفاق، أي روسيا، ورافضون للبدع التي يأتي بها ترامب من أجل اتفاق مع بوتين. تعتبر إيران أن مقاربة آستانا الروسية للحل الروسي هي من أعراض تفاهم متوخى بين إدارتي بوتين وترامب. بمعنى آخر، فإن المنبر التجريبي الذي نصبته روسيا في عاصمة كازاخستان على أن يلتئم بعد تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، سيصبح نهائيا وثابتاً إذا ما قيض للزعيمين الروسي والأميركي تثبيت صفحات التعاون بينهما. وإذا ما مررت الإدارتان صفقة ود على أساس نوايا الود، فإن مفاعيل ذلك سيتيح لموسكو تثبيت خرائطها في الميدان السوري.

ليس بالضرورة أن يعني إستتباب أمر سوريا لموسكو إخراجاً للنفوذ الإيراني من هذا البلد. المسألة ليست حسابية إلى هذه الدرجة، كما أن روسيا نفسها تحتاج لتثبت حلفها مع إيران ليتوازن مع حلفها المستجد مع تركيا. لكن فقدان إيران لإحتكار القرار في سوريا يعتبر زلزالاً أشبه بكارثة تتهدد النظام الإيراني. هكذا استحقاق لا يهدد إيران كدولة، لكنه يهدد نظام هذه الدولة، وهو أمر تدركه طهران التي ما فتئت تستثمر المال والرجال وتستورد ميليشياتها من لبنان والعراق وأفغانستان من أجل هدف واحد فقط هو تثبيت الهيمنة الكاملة على البلد أو ذلك “المفيد” منه على الأقل.

ستخسر إيران نفوذها المريح في العراق إذا ما ضعفت سطوتها في سوريا، وستخسر لا شك هيمنتها على القرار في لبنان إذا ما باتت طهران شريكة خلفية لموسكو وأنقرة في أي تسوية محتملة. ولن تقوى إيران على المناكفة في اليمن ودول الخليج المجاورة إذا ما أصبحت الخلفية السورية رخوة آيلة إلى ضمور. ثم أن سطوة الولي الفقيه والتيار المحافظ وقوى الحرس الثوري ستتعرض لتآكل ومساءلة عن تلك المغامرة السورية التي تحولت إلى حساب الأرباح الروسي وجزءا من أمبراطورية موسكو في العالم.

ستسعى إيران بما تملكه في سوريا وفي أحشاء نظام دمشق لتفخيخ ما فرضته موسكو من وقف شامل لإطلاق النار. وما اختراقاتها الصارخة لوقف إطلاق النار في وادي بردى وأنحاء سورية أخرى إلا تمرين يومي لتجويف مسار آستانة وتأجيل مفاعيله. تدرك موسكو ما تمارسه طهران وتدرك أن الأمر يندرج ضمن الأعراض الجانبية التي تصاحب ترياقها. تتجنب موسكو أي صدام علني مع طهران يوفر لإيران مسوغات ما تريده في تقويض “آستانا” وتترك للشريك التركي أمر السجال مع طهران وتوصيل رسائل روسيا المبطنة. وعليه تعوّل طهران على ترامب في سحب “الوكالة” التي منحها أوباما لبوتين للفلاحة في الحقول السورية، بيد أن في ما يعدُّه الرئيس الأميركي لأيامه الأولى في البيت الأبيض قليل يخص به سوريا، ذلك أن للعلّة علاج واحد لا منافس له في الأسواق: فلاديمير بوتين.