“أربعون جلدة لتالا”.. القمع في إيران / هديل عويس

كاتبة وباحثة إعلامية سورية مقيمة في واشنطن

لا تكتفي إيران بادعائها محاربة الإرهاب عبر ميليشياتها بل تعمل كذلك جماعاتها الضاغطة في الغرب على تسليط الضوء على حالات قمعٍ للحريات تحصل في بعض البلدان العربية المحافظة، مع إضفاء الكثير من المبالغة على الطرح أمام الرأي العام الغربي في إطار جهودها المتواصلة لنقل تهمة الإرهاب للدول العربية المسلمة بعد أن كانت إيران الإسلامية البلد الأكثر ارتباطاً بالإرهاب في الشرق الأوسط.

4344

وبينما اتجهت المملكة العربية السعودية وهي من أكثر الدول العربية المحافظة إلى تخفيض صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووضع المزيد من الحواجز التي تحول دون التدخل بحرية المواطن السعودي في التعبير عن نفسه، خاصة بعد رؤية الألفين وثلاثين التي تفسح المجال للمزيد من الحريات المعرفية والثقافية في البلاد، ما تزال إيران تقف بعنجهية في وجه التيار وفي وجه المتغيرات في العالم معارضة ثقافة شعبها الذي لم يختر بمعظمه الثورة الإسلامية بل كان ينتمي لطبقات وثقافات منفتحة لها اهتمامات فنية وثقافية بعيدة كل البعد عن هوى ثورة الملالي.

تالا راسي هي واحدة من آلاف الإيرانيين الذين لا تحكى قصصهم في مقابل تسليط الضوء من قبل داعمي إيران في الغرب والمنطقة على أي محاولة قمعية في بلد عربي مسلم. تالا راسي إيرانية ولدت في ولاية ميريلاند الأميركية، بعد سنتين من ولادتها قررت أسرة تالا الانتقال للعيش مجدداً في طهران التي كانت محكومة من قبل نظام الملالي، كبرت تالا التي تحمل وأسرتها الكثير من قيم الثقافة الأميركية إلا أن عائلتها التي كانت تخشى عليها كانت تصر على إخفاء أي معالم للهوية الأميركية في شخصية تالا.

تالا الشابة انخرطت في مجموعة مهتمة بالموسيقى الأميركية وفي إحدى لقاءات المجموعة المؤلفة من شبان وشابات إيرانيين، داهم عناصر من الباسيج الإيراني مقر الاجتماع وألقوا القبض على تالا وكل من كان في المجموعة.. رميت تالا في السجن إلى جانب بنات الليل والمجرمين وتجار المخدرات لتلقى حكمها بعد خمس أيام وهو أربعين جلدة، تقول تالا لصحيفة الديلي بيست أن أكثر ما قهرها داخل السجن هو مشهد عروس بفستان عرسها تم إفساد زفافها وجلدها في فستان عرسها لأن زواجها كان مختلط.

عادت تالا أخيراً إلى وطنها الثاني وهو أميركا لتصبح مصممة أزياء بارعة وتحكي عن القمع الذي لم يكن يخطر على بالها يوم بأنها قد تتعرض له في بلدها إيران.. تالا ليست الوحيدة بل الآلاف من نساء إيران ورجالها غاضبين من سياسات نظام الملالي الداخلية فضلاً عن مغامراته الخارجية التي تفقر الداخل الإيراني.
مشكلة قمع الحريات في إيران لا يشبه مثيله في دول عربية مسلمة أخرى فالثقافة الإسلامية المحافظة جزء لا يتجزأ من عادات بعض الشعوب العربية المسلمة والتي يشكل الإسلام الغالبية الساحقة من سكانها، أما في إيران فمشكلة قمع الحريات أعمق وأخطر في ظل انقسام المجتمع الإيراني في مذاهبهم، وأعراقهم، ولغاتهم، فالمجتمع الإيراني ينقسم إلى عدد من المجموعات العرقية واللغوية والتي لا يشبه نظام الملالي الإسلامي ثقافتهم التي تتعرض للقمع من قبل هذا النظام.

تسليط الضوء على القمع في المجتمع الإيراني هو أول خطوة في مشوار إسقاط نظام الملالي العابث بأمن واستقرار المنطقة، ودون الشعب الإيراني المتضرر الأكبر من نظام الملالي لن يسقط هذا النظام.. في إيران ثمة جماعات مناهضة لنظام الجمهورية الإسلامية أكثر مما يخطر على بال أحد، لكن لا أحد منها يلقى الدعم اللازم لمراكمة هذه المعارضة وجعلها تتحول لحركة حقيقية في وجه النظام.

مسؤوليتنا كعرب حمائيين لبلداننا من شر النفوذ الإيراني تكمن في تسليط الضوء على كل انتهاكات نظام الملالي ومد اليد بشكل حقيقي للجماعات الإيرانية المناوئة للنظام مع محو فكرة أن “إيران هي العدو” من الأذهان فنحن وشعب إيران في خندق واحد ضد نظام مارق لم يسلم من شره لا مواطنيه ولا الجيران.