من «البوركيني» إلى السجن بتهمة قول «الله أكبر»

كما كان انتقاد رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس على موقفه الخاطئ من مسألة «البوركيني» واجباً، فالواجب أيضاً أن تعطى بعض المصداقيّة للرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند الذي أعلن في خطاب أمس رفضه استخدام قضايا هويّة وثقافة وملابس ودين المسلمين مطايا السياسيين العنصريين واليمينيين لكسب أصوات الجمهور الفرنسي.

أكد أولاند في خطابه المهم أنه لن تكون هناك تشريعات «ظرفية وغير قابلة للتطبيق وغير دستورية في آن» في فرنسا وهي إشارة واضحة لمحاولات مجالس البلديات الفرنسية لفرض قانون إشكاليّ حول لباس البحر الذي تستخدمه بعض المسلمات.

2712

فضح أولاند الممارسات الصفيقة لليمين الفرنسي الذي يستغلّ قضايا مكافحة الإرهاب لاستهداف المسلمين الأبرياء بجريرة المجرمين وأعاد تأكيد مبادئ حرية الديانة والتعبير وأسبقية اعتماد البراءة على الظنّ والتجريم رافضا فكرة احتجاز الأشخاص المشتبه بتطرفهم من دون محاكمة، وهي ممارسات لا تليق بدولة مدنية وديمقراطية وعلمانية بقدر ما تليق بأنظمة الاستبداد على أشكالها كافة، وخصوصاً منها بعض الأنظمة العربية.

في رأينا أن خطاب أولاند المذكور مهم كثيراً وضروري في مواجهة المدّ الهائل لاتحاد العنصرية الأوروبية مع الطغيان العربيّ (وهما يتبادلان المنافع والزيارات والتحيات بشكل مستمر)، رغم أنه في الواقع لم يتطرّق إلا إلى خصومه السياسيين في فرنسا كساركوزي المتهم بالفساد في الانتخابات السابقة، وجان ماري لوبين زعيمة الاتجاه العنصري، مؤكداً أن «لا شيء في الفكر العلماني يتعارض مع ممارسة الإسلام في فرنسا، شريطة أن يتوافق مع القانون».

إحدى النقاط المهمة التي أثارها أولاند قوله إن المسلمين كانوا الضحايا الأوائل للإرهاب فـ»قبل أن يصلوا إلينا، هاجم (المتطرفّون) ديانتهم نفسها وكان المسلمون في كل مكان ضحايا لهم».

يمكن، لأسباب كثيرة، اعتبار خطاب أولاند هذا تاريخيّاً، لا بمعنى تأكيده على قضايا خطيرة ستبقى تشغل المسلمين والعالم لفترة طويلة، فحسب، بل بمعنى أنه قد يطوي مرحلة إيجابيّة بين فرنسا ومسلميها، فآمال أولاند بإعادة انتخابه ضعيفة (يتم تقديرها بـ11٪ إلى 15٪ من الأصوات)، واحتمال المنافسة النهائية قد تنحصر بين اليمين الجمهوري الذي تلاعب بقضايا الإرهاب والإسلام، واليمين العنصري الذي ازدهر بفعل عمليات الإرهاب التي حصلت في فرنسا واستغلّها بشكل صارخ ضد المسلمين والأقليات الأخرى.

ورغم أن القضاء الفرنسي حسم مؤخراً قضية «البوركيني» التي كانت مثار سخرية ونقد في العالم من هذا الاتجاه الفرنسيّ فإن القضاء نفسه أصدر مؤخراً قرارا في ولاية مرسيليا، جنوبي فرنسا، بالسجن ستة أشهر (مع وقف التنفيذ) وغرامة مالية قدرها خمسة آلاف يورو لشخص صاح عبر مكبّر صوت «الله أكبر» من قاربه الذي كان يستقله في 27 تموز/يوليو الماضي.

ندرك طبعاً حساسية الأوضاع في العالم، وفي الغرب خصوصا، ونعرف الدور الخطير الذي يلعبه الساسة قليلو الضمير ووسائل الإعلام الشعبوية وأشكال التنميط والكليشيهات العنصرية التي تحوّل من أي حدث تافه (كأن يحضر تلميذ سودانيّ ساعة اخترعها فيتم الاتصال بالشرطة، وأن يقرأ مسافر كتابا بالعربية فيتم إنزاله من طائرته، أو يتعرّض مواطن إماراتي للضرب في أمريكا بسبب ثيابه التقليدية، أو غير ذلك من قضايا تبثّ إشارات اجتماعية ـ سياسية وسط أجواء عصابيّة ومتوترة) إلى حدث يثير الجدل والاهتمام، وبالتالي يعيد فتح دوائر سوء التفاهم والاصطدام.

رغم كل ذلك فإن تضخيم قضيّة مثل الصياح «الله أكبر» وتحويلها إلى جنحة قانونية (بدل أخذها على أنها ممارسة لحق التعبير، أو باعتبارها تصرّفاً فرديّا، أو حتى أخذها على محمل السخرية من توتّر المجتمع المبالغ فيه ضد المسلمين) هو أمر فيه إساءة لفرنسا ولنظمها التي يُفترض أن تحمي الحقوق والحرّيات الفردية وأساليب ممارسة هذه الحريات والحقوق.

يتجاهل من أصدر الحكم أن مئات ملايين المسلمين في العالم يتشهّدون ويقولون عبارة الله أكبر عشرات المرّات كل يوم، وأن من يرغب في تجريم هذا الشعار عليه أن يجّرم ربع البشريّة.

نقلا عن ایلاف