هل بات الخليج قاب قوسين أو أدنى من حرب إقليمية؟؟/ أحمد المرشد

لم يكن العرب في حاجة الي التحالف الروسي –الإيراني العسكري الذي كشف عنه إعلان طهران وموسكو في نفس التوقيت أن الجمهورية الإسلامية وافقت على استقرار قوات عسكرية روسية في قاعدة «نوجة همدان» الجوية٬ هذا التحالف لم يكن صادما للعرب فقط، بل للإيرانيين أيضًا لدرجة أن يخرج وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان ليعلن على الملأ رفضه احتجاج بعض نواب البرلمان على استقرار القاذفات الروسية في بلاده٬ ثم يتبجح في نفس الوقت ليقول أنه غير مستبعد منح المزيد من القواعد الجوية على الأراضي الإيرانية للروس «إن تطلب الأمر».

2643

استمر دفاع دهقان عن قرار استقرار طائرات روسية٬ وقال ردًا على ما اعتبر انتهاكا للدستور إنه «لا صلة للبرلمان باستقرار الطائرات الروسية في إيران». كما وصف موقف البرلمانيين من تقديم إيران قاعدة جوية لروسيا وانتهاك الدستور الإيراني قبل أيام بـ«انطباعات خاطئة لعدم الاطلاع»٬ ثم يوجه كلامه للبرلمانيين في حدة ليؤكد لهم أن الوجود الروسي في قاعدة نوجة هو «قرار النظام»، أي بموافقة المرشد الأعلى علي خامنئي، وكان هذا التأكيد ليخرس كل الألسنة المعارضة داخل بلاده. تحليليًا، لم يكن هذا القرار مفاجئا للعسكريين الروس والإيرانيين، لأن إعداد قاعدة جوية بحجم قاعدة نوجة همدان يستلزم عمل عام على الأقل لتجهيزها لاستقبال قاذفات عملاقة، وهذا قد يطرح سؤالاً مهمًا عن احتمالات تعزيز الوجود الروسي العسكري على الأراضي الإيرانية.. ولا يهمنا في هذا المقام ما رأيناه من بعض الاحتجاجات داخل إيران؛ لأن القرار الأهم تم اتخاذه بالفعل، وهواستخدام الروس للأراضي الإيرانية.
والمشكلة حاليًا لا تتركز فيما يصرح به الروس والإيرانيون، ولكن في الحقيقة المخفية في القرار وهي تكثيف الغارات الروسية على المواقع السورية إمعانا في حماية الرئيس بشار الأسد وقواته ودعم نظامه القمعي ضد شعبه الأعزل، فمجرد دخول قاذفات «تو ­ 22 إم 3» و«سو 34» الروسية العملاقة في الحرب، فهذا يعني زيادة فعالية الغارات الروسية في سوريا. حتى وإن أعلنت إيران أن هذه القاذفات ستدك مواقع «داعش» في العراق فهذا لن يغير من حقيقة الوضع بأن فعالية الغارات الروسية على المواقع السورية ستزيد 3 أضعاف، فلنتخيل معا وضع الشعب السوري الأعزل وسط هذه الأجواء الجهنمية، فالقتلى سيتضاعف عددهم وكذلك المصابين والمشردين.
والمؤسف وبالتزامن مع التخاذل الأمريكي في دعم المعارضة السورية المعتدلة، يأتي التقارب الاستراتيجي العسكري الروسي الإيراني لدعم النظام السوري٬ ليؤكد لنا وللجميع تصميم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على استكمال المعركة في سوريا التي يتعاطى معها كمعركة ضد الغرب وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية. ولنا ان نتذكر أيضا أن موسكو قد تكون تمهد من خلال هذه الخطوة لعملية عسكرية جديدة وكبيرة في سوريا بعد الهزيمة التي مني بها النظام والميليشيات الإيرانية والشيعية في حلب. لنأتي الي الرسالة الأهم وهي أن الرئيس الروسي يخاطب نظيره الأمريكي وهو على وشك مغادرة البيت الأبيض ويبلغه رسالة مفادها «إن روسيا بتحالفها العسكري الجديد مع إيران أصبحت سيدة الشرق الأوسط ولم تعد تعتمد على القواعد السورية فقط»، فثمة انفتاح على إيران كما أكد وزير الدفاع الإيراني أن بلاده مستعدة لخطوات أخرى لتقديم أي دعم تطلبه موسكو.
وربما نلقي الضوء هنا على ما ذكره الأدميرال علي شمخاني٬ الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني عندما قال: «لقد اتسمت علاقاتنا مع روسيا بطبيعة إستراتيجية٬ وأنه في سياق الحرب ضد الأعداء المشتركين٬ فإن كل قواعدنا متاحة لروسيا». المثير للدهشة في هذا القول، أن أعلى مسؤول أمني في إيران لم يبال بعاصفة الاحتجاج في بلاده بسبب إعلان موسكو استخدام قواعد جوية إيرانية، وهذا مرجعه هو حساسية الإيرانيين الشديدة تجاه استضافة أراضيهم لأي قوة أجنبية٬ وهو أمر لم يكن قد حدث حتى الآن. ولكن الإيرانيين وافقوا على رغبة بوتين الذي يحرص على إظهار أن حكومته تعود الآن إلى الشرق الأوسط كقوة أجنبية كبرى ذات نفوذ..كما أن وزير الدفاع الإيراني وشمخاني لم يراعا حساسية الإيرانيين حيال استخدام أراضيهم، فهما أيضا لم يدركا أن الوجود العسكري الروسي في إيران ينتهك نص وروح دستور الجمهورية الإسلامية على السواء، حيث أن المادة 146 من هذا الدستور تحظر بوضوح استخدام الأراضي الإيرانية من قبل أي قوة أجنبية -حتى ولو كان للأغراض السلمية – من قبيل عمليات إغاثة ضحايا الكوارث الطبيعية. هذا مع العلم بأن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الذي يترأسه الأدميرال علي شمخاني٬ ليس مخولا بمنح أي دولة أجنبية الحق في استخدام قواعد بلاده العسكرية وهذا وفقا للمادة 176 من الدستور٬ التي تحدد وضع ومسؤوليات المجلس الأعلى للأمن القومي٬ وتنص بوضوح على أنه ليس مخولا بتقديم مثل هذه التنازلات لقوى أجنبية. ولكن يمكن للمجلس فقط دراسة إمكانيات التعاون وعمل توصيات لا يمكن تنفيذها إلا بمصادقة مجلس الوزراء٬ ومجلس الشورى الإسلامي٬ والمرشد الأعلى. ولكن في الحالة الروسية، لم تتفق كل هذه الجهات السيادية في منح التفويض للقاذفات الروسية لاستخدام قاعدة نوجة همدان، وفي هذا يمكن أن نستخلص أن ثمة توترا وتضارب مصالح فيما بين الجهات السيادية داخل إيران، أو تضارب في وجهات النظر رغم ما يحاول الإيرانيون من تصويره بوحدة مواقفهم السياسية الخارجية.
حتى لو استعدنا ما ذكره علي أكبر ولايتي٬ وزير الخارجية الإيراني الأسبق والمستشار الحالي لخامنئي: «النظر شرقا كإستراتيجية هو نوع من الضمانة، نعرف أن النظام العالمي القديم قد انهار ولا أحد ولو كان أكثر أهل الأرض حكمة٬ يعرف ما سيجري غدا.. وفي أوقات عدم اليقين٬ يكون من الحكمة والحصافة أن يكون لديك حليف قوي».
وهنا يعن لي القاء بعض التساؤلات، فهل لا تزال روسيا صديقة للعرب؟.. روسيا، هذا البلد الذي كان ظهيرا للعرب، وكانوا يلجأون إليه أوقات الشدة والنكبات، هؤلاء الذين سارع إليهم بطل العروبة الراحل مؤمم قناة السويس وباني السد العالي وبطل حرب الاستنزاف جمال عبد الناصر فنصروه، وهم الروس أيضا الذين كانوا خير عون وسند للرئيس المصري الراحل أنور السادات بطل العبور في حرب اكتوبر.. هل هم أولئك الأصدقاء؟.. أهكذا يتحول الصديق الى عدو يطعن من الخلف ونطلق عليه صديق!.. أهذه عادة البشر؟.. ماذا نستطيع أن نسمي روسيا الآن التي وجهت لنا طعنة قاتلة بوضع يدها بيد بلد همه تصدير ثورته……؟ بإقامة قواعد لاستخدامها في ضرب سوريا بدعوى محاربة الارهاب!.. أي إرهاب يدعون!!.. وحلب فيها إخوان وأشقاء، هم أبعد ما يكون عن الارهاب الذي يتحججون به.. فهل لا تزال روسيا صديقا لنا؟
لا يهمنا في هذا المقام ما إذا كان ولايتي يحاول وضع روسيا في دور الحليف الإستراتيجي أو التكتيكي، لأن هذا سابق لآوانه، والذي يهمني كعربي أولا وخليجي ثانيا، هو خطورة هذا التحالف على منطقتنا ككل، وسوريا والعراق تحديدا، لأن إيران سوف تستفيد من عملية توجيه الصواريخ الروسية بالتأكيد. والأمر برمته لن يكون مثلما يدعي البعض مجرد شهر عسل وينتهي بسرعة بين موسكو وطهران، فهو سيطول حتى تثبت روسيا لأمريكا أنها سيطرت تماما على مفاصل الشرق الأوسط، مقابل استفادة إيران من إعلان استرايتجيتها في سوريا والإبقاء على نظام بشار الأسد الذي كلفها مليارات الدولارات حتى الأن، ويكون في إمكان السلطة الإيرانية خداع الشعب وتصدير الوهم له بأنها تكلفت هذه المليارات من أجل حماية نظام شيعي هناك، وأن هدف الدولة الإيرانية هو الحفاظ على الأمن القومي الشيعي (الطائفي).. ويمكن لإضافة كل هذه الأسباب ذريعة روسية – إيرانية مشتركة، وهي أن الدولتين يعملان بشكل وثيق لأن كلتيهما لا تريد أن تتعرض للهزيمة في سوريا.
من المؤكد أن تقارب موسكو – طهران سيكون على حساب علاقات روسيا مع الدول الخليجية التي فكرت يوما ما في فتح علاقات جديدة مع موسكو، وتقديري أن هذا التقارب سيتلاشى بفعل هذا التطور الجديد الذي سيجهض بالتأكيد الجهود المشتركة (خليج وروسيا) للتقارب على حساب علاقة الخليج مع الولايات المتحدة حليفها الإستراتيجي والتاريخ في نفس الوقت. هذا مع العلم، بأن التقارب الخليجي – الروسي الذي شهدناه خلال الفترة الماضية قد أثار غضب واشنطن بشدة على كافة المستويات، سياسيا وعسكريًا واقتصاديًا.
لقد استفادت إيران من الغرب والولايات المتحدة عندما وقعت الاتفاق النووي وحصلت على ودائعها التي كانت محظورة، وحاليا توسع تعاونها العسكري مع روسيا، ليس فقط استيراد أسلحة وصواريخ، وإنما فتح مجالات تعاون جديدة من مجرد مشترٍ للسلاح الي اخضاع روسيا لتكون دولة حليفة لهم في حروبهما، وكذلك ربما يعيد هذا التحالف أجواء الحرب الباردة للمنطقة.
إجمالاً.. لن نقول إن موسكو مستفيدة وحدها من التحالف العسكري الأخير مع إيران، فطهران أيضا ستستفيد منه وبأشكال عدة لتضيف لمكتسباتها من توقيع الاتفاق النووي مع الغرب والولايات المتحدة، لتكون مستفيدًا من الشرق والغرب معا، فهي دولة تلعب على كل الأحبال وتستخدم كل الحيل لتحقق طموحاتها، وللأسف، وقعت روسيا في المحظور، وهو نفس المحظور الذي وقع فيه الغرب بتوقيعه الاتفاق النووي وتصديقه النوايا الإيرانية، ليكون تساؤلنا الأخير: «هل بات الخليج قاب قوسين أو أدنى من حرب إقليمية؟».

نقلا عن: الایام