قاعدة همدان.. خفايا وأسرار الحلف الروسي الإيراني/إيليا جزائري

أثار الانتهاء المفاجئ للتواجد الروسي الذي لم يسبق له مثيل في قاعدة جوية إيرانية تنطلق منها القاذفات ضد أهداف في سوريا، الكثير من التساؤلات حول الأسباب، لاسيما وأنه قوبل بانتقادات من واشنطن بالإضافة لبعض المشرعين الإيرانيين.
وكانت أول عملية بدأت يوم الثلاثاء 16 أغسطس انطلاقا من إيران لقصف مواقع في #سوريا، منها قواعد للمعارضة السورية وبعض قواعد داعش‪>
ولكن العمليات الجوية المثيرة للجدل لم تدم سوى بضعة أيام ليعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية الاثنين 22 أغسطس انتهاءها. وجاء هذا الإعلان عقب بعض التلميحات الإيرانية عن وجود خلافات مع روسيا بشأن بعض تصرفاتها، فهل هذا يعني انتهاء “حلف القيصر والملالي” الاستراتيجي قبل أن يتحول إلى محور حقيقي في المنطقة؟ الحلف الذي خرقت طهران من أجله دستورها ومنحت لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية قاعدة عسكرية لقوة أجنبية.

959

روسيا والحاجة إلى قاعدة أقرب لسوريا
ابتداء من 16 أغسطس، أقلعت القاذفات الاستراتيجية الروسية من طراز ‪ Tu-M-22
من قاعدة “نوجة” في همدان غربي #إيران وشنت غارات جوية على ريف حلب ودير الزور وإدلب، كما ورد في تصريح وزارة الدفاع الروسية‪.

وقالت الوزارة إن القاذفات كانت مصحوبة بمقاتلات روسية منطلقة من الأراضي السورية‪.

إلا أن أي مصدر إيراني أو روسي لم يعلن عدد القاذفات الروسية التي حطت في القاعدة وانطلقت منها على مدى 5 أيام، وكانت الطلعات الروسية من قاعدة “نوجة” باتجاه الأراضي السورية عبر الأجواء العراقية مستمرة بشكل يومي دون انقطاع‪.
وحسب التقارير، استخدمت روسيا بالإضافة إلى قاذفاتها مقاتلات سوخوي-24 أيضا. وبسبب صغر قاعدة اللاذقية السورية وقصر مهابطها ومحدودية مرافقها، فإنها ليست مهيأة لاستضافة هذه المقاتلات وروسيا مضطرة لاستخدام قاعدة مجهزة تفتقدها سوريا وهذا يضع موسكو أمام خيارين: إما الاكتفاء بقواعدها وإما الاستعانة بطرف ثالث يمكنها التعاون معه عسكريا‪.

إن استخدام روسيا لقواعدها في عملية كهذه يعني أن قاذفاتها مضطرة للطيران أكثر من 2000 كيلومتر الأمر الذي يؤدي إلى استهلاك الكثير من الوقود، إضافة إلى هذا على روسيا أن تستأذن بعض الدول وأهمها تركيا للعبور في أجوائها ورغم التقارب الأخير بين مسكو وأنقرة، يبدو أن الأخيرة لا تسمح لروسيا باستخدام أجوائها لضرب المعارضة السورية خاصة وأن أنقرة لها موقف واضح إلى حد ما من الأزمة السورية.
من هنا غدت إيران الخيار الأمثل بسبب قربها النسبي من الأراضي السورية من جهة، وسهولة الحصول على موافقة الحكومة العراقية لفتح أجوائها على الطيران الذي يستهدف الثوار الذين لم تكن بغداد مؤيدة لهم، لا سيما وأن العراق يربطه بطهران تعاون عسكري تحت يافطة “محاربة داعش” الذي يحتل الموصل ثاني أكبر مدينة عراقية وأراضٍ أخرى.
رمزية قاعدة “نوجة” الإيرانية‪
ولقاعدة “نوجة” رمزية في إيران حيث بعد عام من انتصار الثورة الإيرانية، شهدت أول محاولة انقلاب فاشلة ضد النظام الجديد، وبعد أن تم إحباط الانقلاب أعدم النظام الإيراني عدداً من الطيارين والضباط الذين خططوا لتغيير النظام الديني وتحول إفشالها إلى “رمز ديمومة الثورة” ولا تزال ملابسات وحيثيات تلك المحاولة يكتنفها الغموض.

كما استخدم النظام الإيراني قاعدة “نوجة” لقصف مواقع الثورة الكرديية المسلحة التي خاضت صراعا مسلحا ضد النظام الإيراني بعد الثورة، وقبل الثورة الإيرانية في عام 1979. وكانت تلك القاعدة تسمى “شاهرخي” وبعد الثورة سميت بـ”قاعدة حر”، لكن بعد مقتل أحد طياريها المدعو “محمد نوجة” في الحرب ضد الأكراد، غير النظام الإيراني اسم القاعدة إلى “نوجة‪”.
أهمية قاعدة “نوجة”
قاعدة “نوجة” هي ثالث أكبر قاعدة عسكرية في إيران وتستقر فيها طائرات إيرانية من طراز ‪F4
الأميركية الصنع ومیغ-29 الروسية الصنع وهذا يعني أن القاعدة تستوعب الطائرات العسكرية الثقيلة.
‪. وتقع في غرب أيران حيث يفصلها عن أهداف المقاتلات الروسية في سوريا حوالي 900 كيلومتر فقط الأمر الذي سهل للقاذفات الروسية حمل حوالي ثلاثة أضعاف القنابل التي تستطيع حملها في حال انطلاقها من قواعد روسية‪.
إشكالات دستورية
في اليوم الثاني من بدء العملية الجوية الروسية انطلاقا من القاعدة الإيرانية، اعتبر النائب في البرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشة أن استخدام روسيا لقواعد إيرانية يشكل خرقا للدستور الإيراني‪.

وفي جلسة البرلمان الإيراني التي عقدت يوم الأربعاء 17 أغسطس، اعتبر فلاحت بيشة استخدام روسيا لقاعدة “نوجة” في همدان، بمثابة خرق للمادة 146 من الدستور الإيراني التي تؤكد منع استقرار قواعد أجنبية على الأراضي الإيرانية حتى لأغراض سلمية‪.

وأثار النائب الإيراني احتمال موافقة المجلس الأعلى للأمن القومي على استخدام روسيا لقواعد إيرانية وأكد أنه وفقا للدستور فإن هكذا قرار ليس من صلاحيات هذا المجلس. وأشار أيضا إلى بعض السياسات الروسية التي جاءت متعارضة مع “المصالح الإيرانية” حسب قوله وأكد على وجوب عدم الوثوق بروسيا‪.

في المقابل، رد رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني على هذا الخطاب معتبراً أن ما حدث كان “دستوريا” ووفقا لصلاحيات المجلس الأعلى للأمن القومي لأن ما تم الاتفاق عليه “لا يعني تسليم قاعدة عسكرية لدولة أجنبية بل هو تعاون مع الحليف الروسي بخصوص القضية السورية” على حد وصفه، مستندا إلى الدستور الذي لم يتطرق إلى استخدام قوة أجنبية لقواعد عسكرية إيرانية بشكل مؤقت‪.
وفي واقع الأمر تذرع لاريجاني بالمادة 176 من الدستور الإيراني التي تنص على أن “استخدام الإمكانيات المادية والمعنوية للبلاد لمواجهة التهديدات الأجنبية هي من صلاحيات المجلس الأعلى للأمن القومي”.
ومعلوم أن جميع قرارات المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني يجب أن يوقعها المرشد الأعلى كي تصبح سارية المفعول، وربما استخدام روسيا لقاعدة “نوجة” جاء بناء على توافق روسي-إيراني واستندت فيه القيادة الإيرانية إلى هذه المادة الدستورية الجدلية.
إلا أن الدستور الإيراني ينص أيضاً على أن أي توافق عسكري مع دولة أجنبية ينبغي أن يحظى بموافقة البرلمان الإيراني ومن المؤكد لم يمر التوافق مع روسيا بشأن قاعدة “نوجة” على البرلمان.
تقارب قديم
يذكر أن التقارب بين موسكو وطهران بدأ في أعقاب تفكك الاتحاد السوفياتي، ويشترك البلدان في السعي لتحجيم النفوذ الأميركي خاصة في الشرق الأوسط عبر التعاون العسكري وزيادة حجم التجارة البينية والتعاون في مجال الطاقة. ومكنت الصفقة النووية الإيرانية روسيا من تنفيذ وعدها القديم بتزويد إيران بمنظومة الدفاع الجوي المتطورة‪ S-300 .
كما أبرمت روسيا مع إيران عام 2015 صفقة تعاون عسكري وفي 14 أغسطس 2016، وصل مبعوث فلاديمير بوتين للشرق الأوسط إلى طهران لمناقشة العلاقات الثنائية. كما طلبت روسيا السماح لها باستخدام المجال الجوي الإيراني لعبور صواريخ كروز التي كانت يطلقها الأسطول الروسي المرابط في بحر قزوين ضد الثوار في سوريا‪.
وأرسلت إيران آلاف الجنود والمليشيات التابعة لها من قبيل فاطميون الأفغانية وزينبيون الباكستانية والحيدريون وحركة النجباء العراقية وحزب الله اللبناني بالإضافة إلى عناصر الحرس الثوري إلى سوريا لدعم الأسد. وبالنسبة لطهران، فإن فقدان حليفها القديم قد يقوض نفوذها في المنطقة فمن هذا المنطلق أصبحت طهران مستعدة لأي تعاون مع موسكو وبأي ثمن.
وفي عام 2015، بدأت روسيا عملياتها في سوريا، باستخدام الدبابات والمدفعية والطائرات المقاتلة في المعركة. كما قامت أيضاً ببناء قاعدة جوية جديدة في محافظة اللاذقية.
وشكل التدخل الروسي نقطة تحول في مصير نظام الأسد، الذي كان يتراجع حينها أمام تقدم قوات المعارضة‪.
تناقضات إيرانية تظهر خلافاتها مع موسكو
في 16 من أغسطس وبعد أن ذاعت وسائل إعلام روسية نبأ استخدام موسكو لقواعد إيرانية بهدف قصف مواقع في سوريا، قال رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، إن إيران وروسيا “يحظيان بالتعاون في الحرب على الإرهاب في سوريا ويتشاركان القواعد والإمكانات لتحقيق هذا الهدف‪”.
وأكد شمخاني على استمرارية هذا التعاون “حتى القضاء على جميع الإرهابيين” حسب تعبيره الذي يستخدم من قبل النظامين السوري والإيراني للإشارة إلى جميع فصائل المعارضة.
ولكن بعد أيام، تبدلت هذه التصريحات وأضحت انتقادات إيرانية وجهها وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان للروس، وهي انتقادات تظهر الحرج الذي وقعت فيه طهران جراء إعلان روسيا استخدام قاعدة “نوجة” لضرب قواعد في سورية‪.

وانتقد دهقان مساء الأحد 21 أغسطس روسيا في موقف يندر حدوثه، بسبب كشفها عن استخدام قاعدة نوجة لشن ضربات في سوريا ووصف ذلك بأنه فعل “استعراضي” وينم عن “عدم اكتراث‪”. وقال دهقان: “من الطبيعي أن يعنى الروس باستعراض قواهم كونهم قوة عظمى ودولة ذات نفوذ وفاعلين في القضايا الأمنية في المنطقة والعالم”.
ورغم هذا النقد اللاذع أضاف وزير الدفاع الإيراني: “سنواصل التعاون مع سوريا وروسيا”، موضحاً أن “روسيا قررت استخدام عدد أكبر من الطائرات وزيادة سرعتها ودقتها في العمليات. وبالتالي كانت بحاجة إلى إعادة تموين (طائراتها) في منطقة أقرب الى العمليات. ولهذا استخدموا قاعدة نوجة (في همدان) ولكننا لم نعطهم بأي حال قاعدة عسكرية‪”.
الباب مفتوح
وبعد ساعات من تصريحات حسين دهقان، أعلنت إيران يوم الاثنين 22 أغسطس انتهاء استخدام روسيا لقاعدة همدان الجوية في غرب إيران لشن غارات في سوريا، في الوقت الحالي.
وقال المتحدث الجديد باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي للصحفيين في طهران حول استخدام الطائرات الروسية لقاعدة نوجة في همدان، إنها “كانت مهمة محددة بترخيص مسبق وانتهت حالياً. نفذوا المهمة وذهبوا الآن‪”.
وترك قاسمي الباب مفتوحاً أمام استخدام الروس مجدداً للأجواء الإيرانية بقوله إن الأمر يتوقف على “الوضع في المنطقة وعلى أخذ الإذن منا‪”.
وصرح السفير الروسي في طهران ليفان جهاغاريان الاثنين، أن جميع الطائرات الروسية غادرت القاعدة الجوية الإيرانية في همدان إلا أنه لا شيء يحول دون استخدامها مجدداً في المستقبل‪.
ونقلت وكالة إنترفاكس الروسية عن جهاغاريان قوله: “لا توجد أسباب للقلق. إذا اعتبر قادة البلدين أن الأمر ضروري، وتوصلوا إلى اتفاقيات بهذا الشأن، فأين المشكلة؟”. وأضاف: “في الوقت الحالي لم يتبق أي روس في (قاعدة) همدان‪.
هل تصدع تحالف القيصر والملالي؟
إعلان انتهاء استخدام الروس لقواعد إيرانية كان مفاجئا حيث لا يبدو حدوث أي تغييرات تذكر في ساحة القتال خاصة في حلب خلال الأيام الخمسة للقصف المكثف الروسي انطلاقا من قاعدة “نوجة”.
وما زالت قوات المعارضة السورية في مواقعها وتحتفظ بأهم إنجازاتها في الأسابيع الماضية وهي السيطرة على الراموسة جنوب حلب وفك الحصار الذي فرضته قوات الأسد وحلفائها لثلاثة أسابيع على المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة.
ورغم أن الغارات الروسية أبطأت تحرك مقاتلي المعارضة الذين يستهدفون مناطق النظام في حلب بغية تطويقها، إلا أنها أوقعت خسائر فادحة بين المدنيين وكانت قصة الطفل “عمران” الذي خرج صامتا من تحت الأنقاض التي خلفتها الطائرات الروسية وأبكت العالم‪ خير دليل على ذلك‪ .
ولهذا يبقى السؤال والجواب عن أسباب هذا التحول المفاجئ عالقا. هل هو تكتيك حربي على شاكلة إعلان روسيا سابقا سحب مقاتلاتها من سوريا ولكننا شاهدناها لاحقا تكثف غاراتها ضد مواقع المعارضة؟ أم أنه نتيجة لحدوث تضارب جديد في المصالح بين موسكو وطهران على ضوء التقارب الروسي-التركي المتسرع أو السريع؟ وبالرغم من هذا التقارب لم تغير تركيا من موقفها تجاه مستقبل الأسد، فهل موسكو اقتربت من أنقرة على حساب الأسد؟
ويرى بعض المراقبين أنه قد يتوافق الجانبان على بقاء رئيس النظام على الساحة حتى إنجاز المرحلة الانتقالية، وهذه تشكل خطوة تركية إلى الخلف بهدف التقدم خطوتين إلى الأمام في ملف بشار الأسد، وقد توافقها روسيا خلافا لطهران التي أكدت مرارا وتكرارا أن مصير بشار الأسد خط أحمر.
ولعل تلك الاختلافات هي التي دفعت الإيرانيين الذين ضعف دورهم بعد التدخل الروسي في سوريا إلى النظر لموسكو كطرف يحاول تحقيق مصالحه على حساب حلفائه. وقد أشار في وقت سابق الدبلوماسي الإيراني والمدير العام السابق لشؤون الشرق الأوسط في الخارجية الإيرانية، جاويد قربان أوغلي، إلى جوهر الخلافات بين طهران وموسكو حول سوريا، قائلاً: “إن روسيا تريد قطف ثمار تضحيات إيران في سوريا”.
وأكد أوغلي خلال مقابلة مع موقع “خبر أونلاين” القريب من رئيس البرلمان الإيراني، في ديسمبر الماضي قائلاً “بعد 4 سنوات ونصف استطاعت إيران أن تمرر استراتيجيتها في سوريا المتمحورة حول بقاء الأسد في السلطة، وذلك بمساعدة الحلفاء الروس”، غير أنه شكك بنوايا الروس حيال الأسد وإيران، وقال إن “السياسة الروسية براغماتية مطلقة تبحث عن مصالحها وقد تنقلب على حلفائها في طهران ودمشق‪”

نقلاعن العربية