جل الشاه الإيراني: القيادة البديلة شرط لنجاح تغيير النظام (2)/محمد السلمي

يواصل الأمير رضا محمد رضا بهلوي في الجزء الثاني من حواره المطول مع “الوطن” تشخيص الأوضاع الإيرانية، مركزاً على العوامل التي لا بد من توفرها ليحدث التغيير في إيران، وليتم اقتلاع نظام ولاية الفقيه بكل عيوبه.
ويوضح بهلوي أن حالة القمع الشديدة التي تمارس ضد الشعب من قبل النظام وأدواته أعاقت وتعيق التغيير، مشدداً على أن التغيير يجب أن يأتي عبر حركة مقاومة مدنية بعيدة عن العنف، وأن تتوفر لها قيادة بديلة للنظام الحالي تستطيع إقناع قيادة الشعب لتحقيق مبتغاه، مبيناً أن الظروف الدولية تبدو مواتية لهذا التغيير، خصوصاً أن دول المنطقة لم تكن من قبل على هذه المواقف المتشابهة من المسألة الإيرانية.
ورفض بهلوي بشكل قاطع التغيير عبر التدخل العسكري ليس فقط لأنه رجل وطني حسب تعبيره، ولكن لأن التدخل العسكري لن يفلح، وربما يدعو الشعب للالتفاف حول النظام، مبيناً ضرورة طمأنة القوات المسلحة الإيرانية بأن التغيير لن تتبعه عمليات انتقامية، ولن يكرر ما حدث في العراق، حيث تم حل الجيش وتحول عناصره لاحقاً للقتال إلى جانب داعش.

2675

قمع المتظاهرين
قلتم سابقاً إن الشعب غير راض عن إرسال ثروات بلاده إلى الدول الأخرى مثل لبنان أو غزة، وفي عام 2009 أطلق الناس شعارات مثل “لا غزة ولا لبنان روحي فداء إيران”، السؤال الذي يطرحه الجميع هو لماذا لم يتحرك الشعب منذ 2009 حتى الآن، وهل كانت لديه فرصة أم لا؟ هل يقبلون النظام الإيراني أم أنهم ينتظرون أن تسنح الفرصة ليقاوموه ثانية؟

إن المسألة معقدة، أولاً لا بد من توفر عدة عوامل لإيجاد تغيير أساسي، ما هي الأمور التي تشكل عائقاً أمام الناس؟ إنّ حالة القمع الشديدة التي يمارسها النظام ضد الشعب من جهة جعلت من المستحيل تنظيم أي محاولة لمقاومة النظام باستثناء إبداء بعض الاعتراضات أو تقديم بعض المطالب، لأن أي محاولة أخرى يتم قمعها فوراً.

1- تضحية الثوار
الحركة الخضراء في 2009، وعلى الرغم من تواجد الملايين في الشوارع، إلا أنها كانت هادئة وبدون مشاكل، ورأينا في نهاية الأمر كيف قمع النظام هذه المظاهرات، لهذا، لا يوجد لدى الناس أي أمل يدفعهم للخروج إلى الشوارع من أجل تغيير الأوضاع، القضية الثانية هي قضية قيادة حركة المقاومة، الكثيرون يقولون إنه لم يتم دعم الحركة الخضراء في 2009، وباعتقادي لم يتم دعمها لسببين: الأول: أنه لا يجب أن ننسى أن قياديي الحركة الخضراء نفسها، وهما في الحقيقة السيد مير حسين موسوي والسيد مهدي كروبي، كانا في الحقيقة كما يقول الغربيون “المعارضين المزيفين”، فقد كان موسوي يتحدث عن فترة الخميني الذهبية، وكان يتصرف وفق مبادئ الجمهورية “الإسلامية”.
برأيي لم يكن الاعتراض على تزوير الانتخابات هو من دفع الشباب للنزول إلى الشوارع والتضحية بأرواحهم، و”نداء” التي ضحت بروحها كذلك، فقد كانت لديهم مطالب أعمق من ذلك بكثير، بعضها لا يمكن لهم التصريح به، على أي حال كان من الواضح أنّ الناس لم يواجهوا كلّ هذه المخاطر من أجل مسألة تزوير الانتخابات.

2- الجاهزية للتغيير
هناك عوامل دولية لها تأثير كبير في التغييرات الجوهرية، فالحكومة الأمريكية الحالية كانت تحاول بأي شكل كان أن تصل إلى تسوية مع إيران، ولم تقدم أي دعم للحركة الخضراء آنذاك، وهو ما حدث فيما يخص القضية السورية، فقد أظهرت ضعفاً مقابل نظام الأسد، وهذه المسائل الخارجية تنطبق على إيران كذلك.
الأهم هو أنني أعتقد أن الشعب الإيراني لديه الجاهزية لتغيير جوهري، وخوفه يتناقص يوماً بعد يوم، فلم يعد لديه الصبر والاحتمال، وما شاهدناه من اعتراضات في الأشهر الأخيرة يدل على ذلك، فجميع شرائح المجتمع، النساء والمعلمون والعمال، وكذلك عوائل السجناء السياسيين، والذين تم إعدامهم أو قتلهم، يعترضون باستمرار.
نتيجة لذلك تهيأت الفرصة لظهور تيارات مدنية قوية في بلادنا، ما هو بديهي بالنسبة لنا، نحن الذين نبذل الجهود من أجل تغيير النظام، هو أننا لن نصل إلى مقاصدنا الوطنية أبداً طالما يقبع هذا النظام على سدة الحكم، ولا بدّ لنا من التغيير، لكن كيف؟ إنّ حركة مقاومة مدنية بعيدة عن العنف يمكن لها من جهة أن تمارس الضغوط الداخلية على النظام وتجبره على التراجع، ومن جهة أخرى تنظيم العمل مع الضغوطات التي تمارس على النظام من الخارج، فمثلاً بعض العقوبات لو بقيت مرتبطة بقضية انتهاك حقوق الإنسان، وليس فقط الملف النووي، لساعد ذلك الناس كثيراً في ألا يواجهوا النظام وحدهم.

3- تأمين الاقتصاد والحريات
النقطة الثانية مهمة جداً، فالبديل يجب أن يكون محدداً، فالأمر لا يقتصر أن نقول يجب على النظام أن يتغير، لا يجب أن ننسى أنه قبل 37 عاماً عندما حدثت الثورة، قال معارضو نظام والدي: على الشاه أن يغادر وبعدها سنرى ما يمكن فعله! وشاهدنا آنذاك ماذا كانت النتيجة، اليوم لا يمكننا أن نقول للناس يجب على النظام أن يغادر وبعدها سنرى ما يمكن فعله، بل يجب أن نخبر الناس من هو البديل، ولماذا من مصلحتهم أن يكون هذا أو ذاك هو البديل، وكيف يمكن لهم الوصول إليه.
لذا حاولت في هذا الإطار، خاصة بعد الحركة الخضراء، ومن أجل ألا تخمد هذه الحركة، حاولت تشكيل مجلسٍ قوميّ هدفه على المدى القريب الوصول إلى ظروف تسمح بانتخابات حرة في بلادنا، وحيث أنّ “الجمهورية الإسلامية”، كما ذكرت سابقاً، لن تتنازل عن السلطة باختيارها، لذا لا مفرّ من أن نقوم بتشكيل مقاومة مدنية في مواجهتها، كي نتمكن من الوصول إلى الظروف التي نريد، وما يهم أبعد من هذا هو أن يعلم الجميع أن لدينا تخطيط أساسي، ليس فقط للاستهلاك الداخلي، بل أقول هذا أيضا لجيراننا ولسائر دول العالم أننا نتقدم إلى الأمام بحسابات عملية حقيقية، يهمنا ماذا سيكون مستقبل الاقتصاد، أو البيئة، أو الصحة، وكذلك وضع المسنّين، أي أننا نراعي جميع النواحي الاجتماعية والسياسية للدولة من خلال التخطيط الصحيح قصير المدى، متوسط المدى، وبعيد المدى، إن مسؤولية الحكومة الانتقالية هي تهيئة الأجواء لانتخاب المجلس التأسيسي، وكتابة دستور جديد، وتشكيل الأحزاب، تحرير الصحافة، وتحرير السجناء السياسيين، وغير ذلك من الأمور، أي أننا نراعي جميع المراحل الطبيعية التي يجب أن نمر بها.
وهذه مسألة في غاية الأهمية، فالشخص الذي يجلس في الداخل، سيقول لنفسه ما الذي سأحصل عليه في مقابل ما أتحمله من مخاطر، إن أراد أن يضرب يجب عليه أن يفكر في رزق عائلته، فما الذي سيعود عليه في المقابل؟ عدم وجود قيادة يشكل جزء من المشكلة، سيتحرك الناس من أجل ماذا؟ بدون القيادة لا يمكن لهم النزول إلى الشارع.

4- تشابه الهواجس
الأمر الثالث الذي أشرت إليه سابقاً هو نوع الدعم والتنسيق الدولي الذي يمكن الحصول عليه. إذا نظرنا إلى منطقتنا، سنرى أنه للمرة الأولى في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر لم تكن هواجس دول المنطقة متشابهة إلى هذا الحد، ونجد أنّ أصابع الدول الرئيسة في المنطقة مثل: السعودية، وباكستان، وتركيا، ومصر، وكثير من الدول الغربية مثل: فرنسا، وألمانيا كلها تتجه صوب إيران، فكلهم يعلمون طبيعة هذا الكائن!.
إنني أقدر شجاعة وموقف السيدة ميركل عندما قالت: طالما أنّ هناك انتهاكا لحقوق الإنسان في إيران فإننا لن نستثمر فيها، وما يهمنا ليس فقط صناعة المال. كل ذلك إشارات إيجابية من شأنها أن تسهم في تغيير الظروف.
وليس بالمستبعد ولا بالمستحيل أن تسهم هذه الحركة في تقوية المجتمع من أجل أن يرفع من جاهزيته، وأن يملك أسباب العمل والنهوض، وهو أمر ربما يحتاج إلى دعم لوجستي، وإن توفر مثل هذا الأمر، سنرى بطبيعة الحال أن كفة الميزان سترجح بشكل كامل لمصلحة الشعب.
هناك أمر مهم جداً في هذه المعادلة، وهو برأيي أمر حياتيّ، وهو أمر ليس فقط يدركه الشعب الإيراني، بل تعيه دول الجوار كذلك، لكن لا ضير من تكراره، وهو أن موقفي دائما كان معارضاً لأي نوع من العمل العسكري ضد بلادي، وهو بالنسبة لي كان ومازال الخط الأحمر، والسبب لا ينبع فقط من كوني وطنيّ، بل لأن أي عمل عسكري ضد النظام لا يسهم في شيء إلا في تقوية النظام نفسه، ومن الطبيعي أن الناس في مثل هذه الحالة سيلتفّون حول النظام، وهو سيناريو خاسر تماماً لمن هم يريدون إنقاذ البلد مثلنا، أو من يعتقدون أنهم سيحصلون على شيء خلال ذلك.

5- تململ القوات المسلحة
أما ما هو واقعي، هو أنني في حساباتي التي أقوم بها أعوّل إلى حدّ ما على انحياز وتعاون القوات المسلّحة الموجودة داخل إيران في نجاح هذا الأمر، ماذا يعني ذلك؟ هذا يعني عناصر الحرس الثوري وبطبيعة الحال الجيش وقوات التعبئة، لماذا؟ لأن حركتي في الأساس مبنية على نوع من المصالحة الوطنية والعفو العام، أي على العكس مما فعلته أميركا في العراق بعد الحادي عشر من سبتمبر، حيث انهار كلّ شيء، وقاموا بحلّ الجيش، وأصبحنا نرى عناصره الآن يقاتلون إلى جانب الدواعش، أما نحن فنقول لهؤلاء إنكم ستحتفظون بمكانكم في إيران المستقبل، ولن نقوم بالانتقام منكم، أنتم من ستحمون الشعب من النظام إن أراد في محاولة أخيرة يائسة أن يقمعهم للحفاظ على بقائه.
لا شك أن لكل نظام أتباعه، لكن لا بدّ من معرفة أن أكثر أفراد القوات المسلحة الموجودين في إيران اليوم مستاؤون، فهم لا يتمتعون بالمنافع التي تتمتع بها المافيا التي تتربع على رأس الهرم، إنهم يسمعون شتائم الناس ولا يفعلون شيئاً، فالنظام لا يعود بالفائدة عليهم، وأجورهم لا تكفيهم.

6- مشاريع وطنية
ماذا أقصد بهذا الحديث؟ أقصد أننا إن تقدّمنا بهذا النحو من التفكير، يمكننا أن نعدهم بأن يكونوا شركاء في هذه الحركة، وأن يكونوا الدرع الذي يحمي الشعب، وأن نقول لهم: لماذا تدافعون عن مثل هذا النظام؟ فلا مستقبل لكم في ظل هذا النظام! في المقابل هم يستطيعون التراجع عن موقفهم تجاه النظام والالتحاق بجموع الشعب بوجود بديل قوي ووجود حركة شعبية، وقد شاهدنا نماذج من هذا الأمر في أكثر من مكان، منها ما حدث في تشيكوسلوفاكيا، أو حتى ما حدث في زمن يلتسن في الاتحاد السوفييتي، وشاهدنا كيف أن كثيراً من الجيوش لم تقمع شعوبها، السيناريو الوحيد من هذا النوع هو ما حصل في رومانيا في عهد نيكولاي تشاوتشيسكو، الذي حاول قمع الشعب، لكن شاهدنا كيف كانت نهايته.
أقول هذا لأن من الأهمية بمكان أن ندرك أن حصول مثل هذا السيناريو في إيران، حسب نظرتنا خلال الأشهر والسنوات القادمة، هو أمر ممكن، وكذلك أن ندرك أن بلدنا بهذا المخطط لن يتعرض للانهيار، إن سلامة الأراضي الإيرانية هي عامل حياتي لكل من يقول إننا لا يمكن أن نسمح بتجزئة بلادنا، والضمان الذي سيقدم للقوات المسلحة بعدم تدخل أي قوة عسكرية أجنبية واستغلالها للأوضاع للهجوم على إيران هو كذلك عامل مهم للغاية.
لذلك إن كانت دول المنطقة تفكر مثلنا، أو لديها الرغبة بمساعدة إيران حتى نتخلص من شرور هذا النظام، وهو بالطبع أمر سيعود عليهم وعلى الشعب بالمنفعة، من المهم أن يعلموا أنه حين تحين تلك اللحظة يجب عليهم أن يقدموا هذه الضمانات للقوات خاصة القوات المسلحة، كيلا يعتقدوا بأن بلدنا سيواجه أخطاراً من الخارج في حال تركوا مراكزهم الدفاعية.
بطبيعة الحال سيقوم النظام بعمل دعاية مضادة، وسيدّعي أن بلدنا في خطر، وسيتخذ من ذلك حجة لقمع عناصرنا، وارتكاب جرائمه البشعة.

نقلا عن: الوطن اون لاین