ما لا يود الكثيرون سماعه/ أحمد الصراف

ty6
رمتني الأقدار، بعد الغزو الصدامي الحقير، والاحتلال العراقي القصير لوطني الجميل، في دبي، حيث بدأت نشاطا تجاريا، كما أصبحت شريكا في محل صرافة نشط، وكانت إدارته على اتصال مباشر بممثلي البنك المركزي الكويتي في الرياض حينها.
طوال أشهر الاحتلال السبعة، وبعد تقلبات شديدة في قيمة العملة الكويتية، استقر سعر الدينار، لدولة تحت الاحتلال، عند دولارين ونصف للدينار الواحد، وهو سعر معقول جدا لمن كان يريد المخاطرة، ولمن كان يؤمن بعودة وطنه له يوما، علما بان سعر الدينار مقابل الدولار، قبل الاحتلال، كان تقريبا بحدود ثلاثة دولارات ونصف.

بعد التحرير، وفي فورة فرح شعبية وحكومية، اصيبت الرشيدة بحمى صرف غير معقولة ولا متوقعة ولا حتى مسبوقة، حيث فتحت الحكومة خزائنها، وبدأت كرمها بإسقاط كل ديون المواطنين الاستهلاكية المستحقة للمصارف. كما أسقطت كامل ديون بنك التسليف العقارية على المواطنين، كما شطبت المليارات من ديون المواطنين والمقيمين للمصارف المحلية، كما قامت الحكومة بمطالبة المصارف بالاستمرار في احتساب الفوائد المصرفية على الودائع، وكأنه لم يكن احتلال ولا من يحزنون، وصرف كامل ارصدتها، لأي جنسية كانت وبأي عملة كانت، إلى غير ذلك من منح و«عطايا» وصلت حتى لصرف مبلغ 500 دينار لكل مواطن بقي في الكويت، صغيرا ام كبيرا، ولم يغادرها خلال فترة الاحتلال. وزادت على ذلك بأن أعادت تثبيت سعر الدينار على أساس 3 دولارات ونصف للدينار الواحد، علما بأن لا احد كان يتوقع من الحكومة هذه الإجراءات غير المبررة في غالبيتها، فقد نتج عنها خسارة المال العام لمبالغ خيالية من دون مبرر معقول، فالجميع كان سيكتفي بعودة وطنه له، من دون السؤال عن اي شيء آخر. ولكن الحال لم يكن كذلك. فقد دفعت الحكومة، وحولت البنوك كل التزامها المالية للشركات أو للأفراد من أصحاب الودائع الذين لم يتمكنوا من العودة الى الكويت، لسبب او لآخر، ثلاثة دولارات ونصف لكل دينار، وكان هؤلاء سيقبلون بأقل من ذلك بكثير، ولكن «من تحاجي»!

اليوم تواجه الكويت ازمة مماثلة، في بعض وجوهها، لما حدث قبل 26 عاما. فهي تشكو من وضع مالي خانق، وحكومة مترهلة عاجزة، وإدارات متخمة بآلاف الموظفين غير المنتجين الذين ينتشر بينهم الفساد، والقلة الشريفة في تآكل مستمر. وحيث انه لا حل سريعا ومقبولا لوضعنا الإداري، في ظل تزايد عجزنا المالي، مع شبه انعدام أي بارقة أمل في إيجاد حل أو مخرج من هذه الورطة، فإن الحكومة ليس أمامها غير تخفيض سعر الدينار الكويتي، مقابل العملات الرئيسية، بنسبة لا تقل عن %25 وبطريقة متدرجة، وبالتالي يمكن تحقيق وفورات مالية ضخمة ستساهم حتما في سد جزء كبيرا من عجز الموازنة العامة، من خلال ما سيؤدي إليه ذلك من تقليل الصرف، الحكومي والشخصي، وترشيد نفقات الطرفين.
قد لا يلقى مثل هذا الاقتراح التأييد المطلوب، ولكنه اقل وطأة واكثر فعالية من رفع الدعم الحكومي عن المواد الأساسية، والأساسية هذه لا تشمل حتما معجون الطماط وحليب كلاصات وعلف الماشية.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *