إيران بلا عمق اجتماعي سوري في لحظة فيينا | علي الأمين

عشرات المليارات من الدولارات التي استثمرت فيها إيران داخل سوريا لم تحقق لها قدرة على اختراق واحد من المكونات السورية، ولم يوفر لها القتال، واستجلاب مقاتلين مرتزقة للدفاع عن سلطة الرئيس بشار الأسد، الحظوة لدى الطائفة العلوية، وهي تشكل القاعدة الأساس التي يستند إليها النظام الحاكم في سوريا.

syria_training_ap_img

ورغم مشاركة إيران في مشاورات فيينا الثانية حول سوريا بدعوة أميركية، فإن عدم دعوتها إلى المشاورات الأولى في فيينا والتي ضمت موسكو وواشنطن والرياض وأنقرة، لم تلق أيّ اعتراض أو شعور بغبن لدى المتقاتلين في سوريا سواء كان القتال بين المكونات السورية الطائفية والعرقية، أو كان الصراع بين النظام ومعارضيه.
للمراقب أن يلاحظ أن إيران التي نجحت في اختراق العديد من الدول العربية، قد حققت ذلك من خلال نفوذها المذهبي، واستندت في عملية الاختراق هذه، إلى جانب واقع ضعف بنية الدولة في العراق ولبنان واليمن، إلى سلاح التعبئة المذهبية. ووفرت العدة الأيديولوجية التي تمثلها ولاية الفقيه السبيل من أجل ترسيخ هذا النفوذ الذي قام، بالضرورة، على تعميق الشروخ المذهبية والطائفية.
وترافق مع معادلة ثابتة هي أن نفوذ إيران في الدول العربية يجب أن يلازمه المزيد من ضعف الدولة وانهيار الإجماع الوطني، فشرط قوة النفوذ الإيراني، جَعْلُ الدولة مشروعا غير قابل للتحقق.
في الميدان السوري ليس لدى إيران، بسبب عدتها الأيديولوجية المذهبية، القدرة على اختراق المكونات السورية. وهي قد حققت علاقات وتحالفات مع رمز النظام وبعض أجهزته الأمنية، فيما العدة المذهبية الإيرانية الفتاكة في العراق ولبنان على سبيل المثال لم تحقق لإيران سوى العزلة الاجتماعية في سوريا. وشعارات “لن تسبى زينب مرتين”، أو استجلاب المقاتلين من خارج إيران بعنوان مذهبي، والاستماتة في الدفاع عن رمز النظام السوري في مواجهة مطالب الإصلاح والتغيير، فاقمت من مأزق إيران في سوريا. قد يقول علي خامنئي، إنني أستطيع أن أتحكم في خيارات الشيعة في العالم العربي، لكنه بالتأكيد عاجز عن القول: أستطيع أن أتحكم في خيار مكون سوري.
حديثنا عن المكونات السورية سببه أن خيمة الممانعة وهلالها، اللذين طالما استخدمتهما إيران لمد نفوذها، قد هَويَا مع التدخل الروسي نهائيا. ومع إبرام التفاهمات الإسرائيلية-الروسية في الميدان السوري، تلك التي وفّرت الغطاء لمقاتلي الجيش السوري والحرس الثوري وحزب الله في قتالهم “المجموعات الإرهابية” الممانعة، لم تعد العنوان الذي يرفعه النظام السوري وحلفاؤه في مواجهة المعارضة وحلفائها، بل العنوان هو الحرب على الإرهاب.
وفي كواليس المشاورات، التي تجري بين الأطراف الإقليمية والدولية حول الحلول في سوريا، تجاوز الواقع سؤال: أين موقع سوريا في مواجهة إسرائيل؟ إلى البحث في حماية الطائفة العلوية وغيرها من الأقليات، وإلى كيفية المحافظة على هيكل الدولة ومؤسساتها في أي تسوية تفترض مرحلة انتقالية.
لكن الاندفاع نحو شيطنة المملكة العربية السعودية، ومن الساحة اللبنانية، وعبر حزب الله، المترافق مع صمت مريب وغير مسبوق في حدود ما عودنا عليه حزب الله عن نصرة القدس والانتفاضة الفلسطينية، كل هذا فتح الباب أمام محاولة إيرانية لبناء تفاهمات مع إسرائيل قد يكون منها الحديث الذي يتكرر عن لعب إيران دورا في تمديد القرار 1701 فعليا من الحدود اللبنانية وحدود فلسطين المحتلة، نحو حدود سوريا مع الجولان المحتل. إذ تستطيع إيران أن تفتخر أمام المجتمع الدولي بأنها هي من يستطيع حماية الاستقرار مع إسرائيل لجهة لبنان وهي التي يمكن أن تكرر النموذج على حدود الجولان أيضا، طمعا في تثبيت دور لها في الجنوب السوري. وهذه المرة ثمة وصلة روسية قادرة أن توفر الضمانات للطرفين. تأتي هذه المحاولة بعدما حاولت السياسة الإيرانية خلال السنتين الأخيرتين تقديم نفسها كدولة قادرة على أن تشكل ضمانة للأقليات السورية، واستثمرت عبر قيادات مسيحية لبنانية في هذا المسار.
لكن الوقائع الميدانية في سوريا أظهرت أن إيران لم تستطع أن توفر مثل هذه الضمانات، إذ لم تنجح إيران، رغم كل ما قدمته دعما لسلطة الأسد، في إحداث نفوذ لها داخل الطائفة العلوية فيما الأقليات المسيحية أو الدرزية والكردية لم تجد في إيران ضمانة أو مصدر اطمئنان.
بين الخيار الإيراني أو الروسي، اندفع النظام بخلفيته العلوية نحو روسيا، ولم تكن الكنيسة الأرثوذوكسية في المشرق أقلّ حماسة للدور الروسي المستجد. فإيران ليست لديها فرصة اختراق في المشهد السوري من داخل المكونات السورية. فرص النفوذ تراجعت لتصبح أوراقا في الملف الروسي في أحسن الأحوال، حتى مع الجانب الإسرائيلي.
من هنا بدا محور المملكة العربية السعودية وقطر، في سوريا، سواء في خطاب حماية السنّة، أو في محاولة بلورته خطابا عربيا في مقابل الخطاب الإيراني، قد نجح في التوغل داخل المكون الاجتماعي السني السوري.
الرياض والدوحة وحتى أنقرة لم تضطر إلى إرسال جنودها كما فعلت إيران، بل استندت إلى قوى سورية، وهذا ما سمح لهذه العواصم بأن تكون أكثر تأثيرا من إيران في الميدان السياسي والعسكري السوريين. بينما الاستثمار الإيراني في الأسد خلص إلى جيب فلاديمير بوتين.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *