رمسيس مصر ومصر السيسي / محمد كمال

من الاقوال السائدة بين الناس والتي تعددت تأويلاتها بين الحِكَمِ وثوابت الاقدار، ذاك القول الذي يتنطق به الناس بمناسبة ودون مناسبة، بأن التاريخ يعيد نفسه، إن حلقات التاريخ في تسلسلاتها الزمنية توافق القول في محطات تاريخية متعددة، وهكذا يبقى القول خالداً قائماً يتربص القوادم من الايام عندما تكون هذه الايام مرآة عاكسة لمحطة في ماضي الزمان، وكأن البون الشاسع من مديد الزمان بينهما مختزل لتتطابق المحطتان في وحدة تتساوى فيها الظروف والأحداث وعظائم الاعمال والإنجازات.

sass33cxz12d


عندما نسترد من حلقات التاريخ في زمان رمسيس مصر في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، رمسيس الثاني العظيم، الظروف والأحداث والاعمال والإنجازات إضافة الى الهواجس والمخاطر، فاننا نشهد صورة عاكسة هذا اليوم في عصر مصر السيسي، الرئيس المقدام عبدالفتاح السيسي، لكل تلك المكونات شاخصة أمامنا اليوم.
رمسيس مصر كان قد خرج من عهد الفوضى الذي تسبب فيه اخناتون عندما خرج على العقيدة المصرية وثقافتها وأضعف بهذا الخروج مكانة مصر بين الأمم مما أتاح الفرصة للغير أن يرتقي على مكانة مصر ويقلل من شأنها، خاصة وأن اخناتون أهمل شؤون السياسة الخارجية وشؤون الدولة عامة ليتفرغ لنزواته في العقيدة الجديدة التى كانت على حساب عظمة مصر، وكان حلقة الوصل بين فوضى اخناتون واستقرار رمسيس مصر هو توت عنغ آمون الذي أعاد لمصر مكانتها العظيمة بين الأمم، وفي هذا السياق فإن هناك المشترك العاكس بين مصر السيسي وتوت عنغ آمون، والتوالي من مكونات الزمنين تجمع بين رمسيس مصر ومصر السيسي.
أية أرض مهما تنامت وتوسعت رقعتها فهي جارة محاذية ملامسة لعدد من الاراضي التي تحيط بها، وهذه الإحاطة تجمع بين الصداقة والتحالف والتآزر من جهة، والعداوة والتخوف والتناحر من جهة أخرى، وأرض مصر الخالدة ومنذ رمسيس مصر محاطة بالجغرافية ذاتها، وبذات الصداقات والعداوات، مثلما الآن مصر السيسي كان رمسيس مصر يواجه الأعداء من بدو سيناء الذين كانوا بين مد وجزر في تحالفهم مع أعداء مصر وخاصة الحثيين «تركيا اليوم»، وكانت القبائل الليبية متربصة تسترصد لنفسها فرصة اختراق الحدود المصرية للإغارة على مدنها الغنية وفعل القتل والنهب والتخريب فيها، وكان رمسيس مصر يتصدى لهؤلاء الغزاة مثلما اليوم يتصدى الرئيس السيسي للزمر الإرهابية التي تتربص بمصر، وكان النصر المؤزر لرمسيس مصر الذي أجبر الأعداء التوقيع على اتفاقية سلام مع مصر العظيمة، فكانت تلك الاتفاقية هي اتفاقية السلام الأولى في التاريخ البشري، وعلاقة رمسيس مصر بالنوبة في الجنوب هي على شاكلة اليوم من العلاقة بين مصر السيسي والسودان الشقيق في الجنوب، في الزمنين معاً كانت العلاقة تتأرجح في الثقة بين الشمال والجنوب ولكنها لم تنزلق قط الى هاوية العداوة والتحارب بالمعنى الكارثي.
عظماء التاريخ من قادة الدول والشعوب لهم مكانة خاصة في قلب التاريخ النابض بالصدق والحق، ويفتخر التاريخ بأبنائه العظماء لأنهم ساهموا في ترصيع التاريخ بالاعمال الخارقة على المعهود والإنجازات العظيمة، بعدما ثَبَّتَ هؤلاء العظماء حصن البلاد ضد الأعداء، وكرسوا جهدهم لقيادة شعوبهم على درب التقدم الى مفاخر الحضارة. رمسيس مصر كرس جهده لتطوير خطوط المواصلات البحرية والبرية لتأمين حركة التجارة بين المناطق الداخلية والدول المحيطة وما بعد المحيطة، وهكذا مثلما اليوم مصر السيسي تحتفل بافتتاح القناة الثانية بمحاذاة القناة الاولى، وكم كان حفل الافتتاح عظيماً ومعبراً ومعترفاً بالجميل، فقد كانت رموز مصر الفراعنة، رمسيس مصر، حاضرة في قلب الاحتفال الكبير، وكذلك الاعتراف بالجميل للموسيقار ڤيردي كان حاضراً في الأداء الرائع لأوبرا عايدة، تلك الأوبرا التي افتتح بها قناة السويس الأولى، فمصر اليوم كمصر الأمس لا تدير ظهرها لأي جميل نالها.
رمسيس مصر كان طاقة نادرة في البناء والعمران، فقد بنى مدناً ومعابد والتي أشهرها معابد أبي سمبل الحاضرة حية باقية على يمين التاريخ، فالتاريخ لزيمٌ بهذه الإنجازات التي أرساها رمسيس مصر، من رمسيس الى السيسي، بنى وأنجز رمسيس مصر ما أراد وخطط فَصَدَّقَ التاريخ أقواله بالافعال المنجزة، وكذلك الحال اليوم مع مصر السيسي، فقد أطلق مبادراته لإنجاز خمس مشاريع كبيرة في حجم مصر العظيمة، وهذه المشاريع تبدأ بقناة ثانية موازية لقناة السويس الأولى، ومركز لوجستي عالمي للحبوب، وشبكة جديدة للطرق، ومدينة التسوق العالمية بالقرب من محور قناة السويس الجديدة، وخامسة المشاريع وليس آخرها هو مشروع إستصلاح أربعة ملايين فدان لتطوير الزراعة وتوسيع رقعة وتنوع الانتاج الزراعي، ورغم أن جهات غربية وإقليمية قد شككت في قدرة مصر السيسي على إنجاز هذه المشاريع وبالأخص منها القناة الجديدة، وإذا بمصر السيسي تفاجئ العالم بإنجاز المشروع الاول وفي وقت زمني قياسي لم يكن في حسبان الشركات العالمية العملاقة، وكان هذا الإنجاز العظيم بتخطيط من المهندسين المصريين وبتنفيذ سواعد القوى العاملة المصرية وبتمويل مصري من جيوب الشعب المصري، مما يعني أن مردود المشروع سيعود بالفائدة المباشرة للشعب المصري، ومثلما أنجزت مصر السيسي هذا المشروع الكبير في وقت قياسي أذهل العالم، فإن المشاريع الباقية هي على الدرب مثل القناة الجديدة، فقد ألحق السيسي قوله بالفعل مثلما كان الحال مع جَدِّ أجداده رمسيس مصر العظيم.
عندما ترد كلمة حضارة في أذهاننا وعندما تتفوه بها أفواهنا، فإن المرادف لها دوماً هي كلمة مصر، وتبرز مصر في أذهاننا كلما ذُكِرَتْ كلمة حضارة، فمصر هي الحضارة والحضارة هي مصر، ومن رآى غير ذلك فهو أعمى الذهن والبصيرة، فمصر خالدة بخلود الحضارة، والحضارة باقية بحضور مصر، ومنذ رمسيس مصر الى مصر السيسي والأقوالُ تُصَدَّقُ بالأفعال في صفحات التاريخ.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *