ابن شاه إيران لـ«الشرق الأوسط»: لا استقرار في المنطقة إلا بزوال النظام الإيراني

الأمير رضا بهلوي أكد أنه «مستعد لزيارة العالم العربي لأن المصالح والأهداف المشتركة التي تجمعنا أكثر مما تفرقنا»

dssdf94j9-3p0o3

الأمير رضا بهلوي: التقاتل المذهبي بين السنّة والشيعة لم يكن مسموعاً به قبل الخميني!

لندن: هدی الحسیني

كان شابًا في أول العمر عندما غادر بلاده ليتعلم التحليق في الجو. بعد ستة أشهر من إقلاع الطائرة تغيرت إيران، وتغير معها الشرق الأوسط. التقوا كعائلة في مصر، الشاه محمد رضا بهلوي والإمبراطورة فرح ديبا والأولاد، ودق الموت باب هذه العائلة، رحل الشاه ثم غابت أصغر شقيقات الأمير، ليلى، وبعدها بعشر سنوات غاب الشقيق الأصغر للأمير، علي رضا. وتقلصت العائلة إلى الأم والابنة الأميرة فرح ناز وولي العهد الأمير رضا بهلوي. نضج خارج بلاده حيث تخصص بالعلوم السياسية، ثم تخرج كطيار. عام 2011 اختير الأكثر شعبية في إيران، حيث لا يزال بعض الإيرانيين في الداخل يعتبرونه «شاهنشاه» إيران. من قال إن الأمل يموت؟


يؤمن بأنه سيعود إلى بلاده.. في حديثه إلى «الشرق الأوسط» كان واضحًا بأفكاره وتوجهاته، كاشفًا عن عمق علاقاته مع الداخل الإيراني قال: «الشعب الإيراني يريد السلام ويريد علاقات جيدة مع جيرانه»، مؤكدًا أن الحل الوحيد لإيران ولاستقرار المنطقة هو في تغيير النظام بالكامل الذي أعطى مجالاً لبروز التطرف الشيعي والسني «هناك قواسم مشتركة بين المتطرفين» ويثيره النقاش القائل إن النظام الإيراني يمكن أن يكون حليفًا لضرب «داعش». أبدى ولي العهد الإيراني رغبة بزيارة العالم العربي «ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا (…) هناك وقت. في السابق كان الشرق الأوسط مستقرًا، وكانت القيادات في المنطقة تعرف القواسم المشتركة في المصالح (…) كان التفكير مختلفًا زمن الرئيس المصري أنور السادات وزمن والدي». قال إن السبب الوحيد لوجود هذا النظام هو أن يسود نظام «ولاية الفقيه» واستعمال إيران كمنصة، وإن مهمة الحرس الثوري الاستمرار في نشر رؤية الخميني أي تصدير الثورة الدينية.

لا يستطيع الأمير الإيراني قراءة أفكار الرئيس الأميركي باراك أوباما «فلو أن النظام الإيراني يريد فعلاً حل المشكلة النووية لفعل ذلك منذ زمن، لكن جزءًا من استراتيجيته للسيطرة على المنطقة هي عبر الردع النووي». ويرى أن العالم يحتاج إلى صفقة كبرى مع روسيا فالرئيس «فلاديمير بوتين كالجالس الذي يقول للغرب: اعرض علي صفقة لا أستطيع رفضها»، هذه الصفقة بنظره ستغير الوضع كله في إيران وبالتالي في سوريا «وليس العكس». لا يريد أن يدين الغرب مباشرة بأنه تخلى عن والده وهنا نص الحوار:

* هل تعتقد أن المقابلة التالية التي سنجريها معك، ستكون قريبًا في طهران؟

– إن شاء الله. القضية تتعلق بمدى إيمانك، والتاريخ أثبت دائمًا أن الأنظمة القمعية لا تدوم.

* هل تنوي العودة يومًا ما؟

–  بكل تأكيد، أحلم أن أكون؛ إذ أنتمي وأخدم بلدي بأي قدرة لدي، لأن أبناء وطني يستحقون أفضل بكثير مما لديهم الآن.

* هل تعتقد أن ما يجري الآن في مهاباد هو بداية لربيع إيراني؟

–  خلال العقود الثلاثة الماضية، ترددت الكثير من الشائعات عن تحركات منظمة من قبل أقليات إثنية مختلفة، كلها كانت تعبر عن عدم ارتياحها وتطالب بحقوقها، إن كانت الدينية أو المساواة أو الحرية، أو حقوق الإنسان، كل هذه الحركات ضربها النظام عبر السنوات ومنع العالم من معرفة ما يجري في الداخل، لكنها استمرت على الرغم من كل القمع. هناك مجموعات عارضت النظام بالقدر الذي تستطيع وهي مستمرة. ما آمل أن نحققه هو تحركات منظمة أكثر، ومعارضة عبر البلاد كلها، وستكون نوعًا من العصيان المدني، وهذا يحتاج إلى دعم من الخارج.

العالم الخارجي حتى الآن لا يتحرك ويفضل الوضع القائم. ورأينا حركات كثيرة ليس في إيران فقط، لقد ذكرت «الربيع» ورأينا الربيع العربي كيف انتهى.

* هل ما زلت على اتصال مع إيرانيين في الداخل، هل يشكون لك ألمهم وتعاستهم وأملهم بالمستقبل؟

– نعم وباستمرار. لقد شكلت منذ ثلاث سنوات: «المجلس الوطني الإيراني للانتخابات الحرة» وهناك نشاطات كثيرة داخلية تتعلق بحقوق الإنسان، والسجناء السياسيين، والفنانين والصحافيين وأصحاب المواقع الإلكترونية، وعلى هذا الأساس لدينا اتصالات وثيقة وتنسيق مع مواطنينا في الداخل. ونركز الآن على اتصالات أكثر، وهيكلية للمعارضة أفضل، ويساعد في ذلك سرعة الاتصالات؛ حيث تصلك الأخبار حتى وأنت في الصحراء. إنها التكنولوجيا عكس ما كان قبل ثلاثين سنة، حيث أذكر أنه في القاهرة، في مصر، كان على والدي الانتظار عدة ساعات حتى يأتيه خط هاتفي أرضي، بينما اليوم السرعة صارت سيدة الموقف في الاتصالات، حيث نبث برامج عبر الساتالايت في إيران، وتصلنا ردات الفعل بشكل فوري.

* هل أنت على استعداد لزيارة العالم العربي إذا تمت دعوتك؟

–  بالطبع وسيكون أمرًا مهمًا لأن المصالح والأهداف المشتركة، بحسب رأيي المتواضع تجمعنا أكثر مما تفرقنا، إذا ما أردنا أن نوفر الازدهار والاستقرار في منطقتنا. لننظر إلى الخريطة الآن، فإن المعضلة الكبرى التي حولت المنطقة كلها إلى اضطراب تسببها العناصر نفسها، واحدها نظام الأئمة في إيران الذي منذ البداية قرر إثارة الصراع الذي يدفع إلى حرب سيطرة ما بين السنّة والشيعة، والتي للأسف صارت لها الآن أبعاد أخرى. هل هذا هو الطريق الذي نريد أن نسلكه، بالطبع لا، نحن نهدف إلى نظام يكرس نفسه للاستقرار والشفافية، وهو ما أطمح له، إضافة إلى تحقيق الديمقراطية العلمانية. وإذا حصل هذا فإنه بسرعة يضع حدًا للعداء والراديكالية والتطرف وكل ما يواصل النظام الحالي التسبب به. أعتقد إذا كان السيناريو مختلفًا، فإن الدول في منطقتنا، خصوصًا في العالم العربي سيكون بين يديها قضايا تختلف عما تواجهه الآن. نحن بحاجة إلى أن تكون لدينا استراتيجية مشتركة بغض النظر عن مواقف بقية العالم، ومن هنا الحوار ضروري جدًا خصوصًا في هذه المرحلة إذا أردنا أن نستكشف بديلاً للوضع الحالي.

* هل تعتقد أن الولايات المتحدة الأميركية تخلت عن والدك؟

–  هذا يتعلق بنظرة كل واحد للتاريخ. أعتقد أن ما حدث كان خسارة. لم تأت أي إيجابية منه لإيران، وحتى للمصالح الغربية، بغض النظر عن حسابات تلك المرحلة. كان التفكير الاستراتيجي، أن إيجاد مجموعة دينية في وجه الشيوعية في المنطقة، قد تفيد الحرب الباردة. ومن الواضح أنها كانت استراتيجية خاطئة جاءت بارتدادات متطرفة منها النظام الإسلامي في إيران، وبروز مجموعات مثل «القاعدة»، وبالطبع فرق أخرى راديكالية بدأت تكشف عن وجوهها الآن. كل ما يجري من تطرف يمكن إعادته إلى ما حدث قبل 36 عامًا بداية مع إيران. لا أعرف إذا كان بإمكاني القول إن الولايات المتحدة تخلت عن والدي. الأمة كلها شعرت أن الكل تخلى عنها. بالطبع ليس لمصلحة الشعب الإيراني ما جرى، وحتى ليس لمصلحة العالم.

* هل لا تزال تذكر اللحظة الأخيرة التي غادرت فيها إيران؟

–  في الواقع تركت بلادي في اليوم التالي لتخرجي من «الهاي سكول» في منتصف يونيو (حزيران) 1978، ستة أشهر قبل أن يغادر والدي إيران للمرة الأخيرة. في ذلك الوقت سافرت للحاق بكلية الطيران في تكساس.

* لولا إيران ما كانت هناك حرب في سوريا، ولولاها ما كان برز «أنصار الله» في اليمن. هل توافق؟

– كما قلت، فإن الفوضى وأغلبية اللااستقرار، وأكثرية التطرف من الوكلاء الذين عملوا من قبل النظام الإيراني في عدد من الدول، إن كان لبنان، أو سوريا أو اليمن، وفي كل الساحات التي للنظام ما يمكن تسميتهم «الطليعة» أو «البدائل»، كل ذلك من صنع النظام الإيراني. بهذا المفهوم أتفق مع ما جاء في السؤال. فمن دون النظام الإيراني، فان أغلب هذه المجموعات ما كان لديها التمويل والتسليح. إيران وفرت لها ذلك بسبب تدخل النظام في شؤون الدول الأخرى. علينا ألا ننسى أن الهدف الأسمى والسبب الوحيد لهذا النظام هو تصدير الآيديولوجيا الراديكالية عبر العالم بدءًا من دول المنطقة ثم إلى أبعد منها.

* هل تعتقد أن المرشد الأعلى علي خامنئي يريد أن يسود نظام «ولاية الفقيه» في الشرق الأوسط والدول الإسلامية؟

–  هذا هو السبب الوحيد لوجود هذا النظام. لو أن النظام يريد الالتزام والإصغاء لشعبه، ما كان يتابع هذا التوجه المشكوك فيه، ما كان يحاول أن يثير الثورات من اليمن إلى ما لا نعرف أين، ما كان ليرسل قوات من الحرس الثوري إلى دول بعيدة مثل فنزويلا وكولومبيا من أجل إنشاء خلايا نائمة، حتى يوم ما تأخذ السلطة في العالم الغربي أيضًا.

إن الاستراتيجية الأساسية لهذا النظام استعمال إيران كمنصة من أجل إيجاد «ولايات» مختلفة، في ظل «التفسير المقدس»، كيف يجب أن يكون العالم.

خامنئي منذ اليوم الأول يلتزم بهذا المنطق، ليس مأخوذًا بالمصالح الوطنية الإيرانية، بل باستغلال كل ثروات إيران، لتمويل ودعم تصدير هذه الآيديولوجيا عبر العالم. ولا أرى سببًا لأن يتغير هذا، وما دام النظام مستمرا لن يكون هناك تغيير.

فخلال السنوات لاحظنا اختلافًا كبيرًا بين ما يعد به هذا النظام وما يفعله. خدع العالم، كذب على العالم، وطالما أنه يظل قائمًا ويخدع العالم كي يفكر به بطريقة مختلفة، سيستمر في سياسة القمع في الداخل. وكما قلت قد يعيش لفترة، ولكن لا يمكن الدفاع أو الحفاظ على هكذا نظام على المدى الطويل. نصيحتي للعالم ألا يقع في خدعة هذا النظام، أو يصدق ما يقوله. عليه أن يرى الوجه الحقيقي للنظام إذا لم يكن قد اكتشفه بعد، ولكن أعتقد أن العالم لم يعد بهذه السذاجة كي تمر هذه الخدع عليه.

* وهل هذا يشمل الرئيس الأميركي باراك أوباما؟

– في هذه القضية الخاصة، أظن أن عليه أن يدرك إلى أي مدى يمكن للإنسان أن يكّثف ما يسميه السبل الدبلوماسية من أجل أن يصل إلى نتيجة كان عليه أن يصلها منذ فترة بعيدة، أي هل هناك فرصة شرعية لهذا النظام القائم بأن ينحني تحت ضغوط التوقعات الدولية، تعرفين عندما أفكر بهذا أتذكر أنه قبل عشرين سنة تقريبًا في فترة حكم محمد خاتمي، كان العالم مستعدًا أن يقدم للنظام الإيراني صفقة أفضل لمصلحة إيران، لكن النظام رفضها. لماذا؟ السبب الوحيد لرفضها، وعلينا أن نفهم، أن جزءًا من حسابات النظام بالنسبة لفرض سيطرته الإقليمية، هو استعمال الردع النووي، ويحاول أن يفعل هذا منذ ذلك الوقت. إن أي انسحاب من الوضع الحالي هو مجرد تكتيك، وفي الواقع الرئيس أوباما كرر عدة مرات أنه إذا كانت المفاوضات غير قائمة على الثقة، بل على الوعود، فهذا يعني أن عنصر الثقة غير قائم. لهذا من الصعب معرفة إلى أي حد يستمر الشخص في عملية، مع علمه أن الثقة غير موجودة.

أرجو ألا تسيئي فهمي، أنا لا أقول إنه إذا فشلت السبل الدبلوماسية، فإن الحل يجب أن يكون تدخلاً عسكريًا. أنا كنت دائمًا ضد هذا الطرح. ما أطرحه هو، لماذا لا يأتي العالم، ولأول مرة منذ 36 سنة، ويسمح للشعب الإيراني بأن يكون جزءًا من المعادلة؟ هذا لم يحصل أبدًا، لأنه ومنذ 36 سنة لم يحصل أي حوار أبعد من النظام وممثليه. كل المفاوضات الرسمية بين القوى الخارجية، ومن ضمنها الولايات المتحدة الأميركية، تجاهلت أي لقاء مع المعارضة العلمانية الديمقراطية.

في المفاوضات الحالية، الشعب الإيراني في العتمة الكاملة. في رسالتي إلى ممثلي الدول 5+1 طلبت منهم أن يشملوا في المفاوضات الشعب الإيراني أيضًا، وأن لا يكون الموضوع البرنامج النووي الإيراني فقط، بل خرق حقوق الإنسان، والسجناء السياسيون.. إلخ. لماذا هذا مهم، لأن التغيير لكي يحدث من دون عنف أو تدخل قوات غربية يكون بتقوية الشعب الإيراني. من دون الشعب لن يحصل أي تغيير. وفي المحصلة النهائية فإن الحل الوحيد لإيران هو في تغيير النظام.

* هل تعني أنك مع تغيير هذا النظام.

– بكل تأكيد، ومن دون أدنى شك. والسبب بسيط، كيف تتوقعين السيادة أو حق تقرير المصير في دولة لا يحق للناس فيها انتخاب ممثليهم بحرية. كيف يمكن لنظام يدعي الشرعية، أو أنه يمثل إرادة الشعب وكل من يعارضه في السجن، أو يُعدم أو يهرب بجلده إلى الخارج، ثم لا وجود لحرية التعبير أو انتخابات حرة. وهذا ما أطالب به، العملية التي اقترحتها تتطلب سيناريو يسمح فيه هذا النظام لنا بإجراء انتخابات حرة، وإذا لم يقبل النظام بملء إرادته السماح لهكذا فرصة، فليس أمامنا خيار إلا الإطاحة به، من دون اللجوء إلى العنف، إنما بالعصيان والتمرد والتعاون والدعم والضغط من الخارج، مثلاً عبر المقاطعة الاقتصادية. علينا أن نضع نصب أعيننا هدف التغيير بحيث نفكر بمستقبل الشعب الإيراني، أي عكس ما يجري الآن، حيث تفضيل الواقع القائم، بانتظار أن يغير هذا الوضع تصرفات النظام، وهذا لن يحدث، بل سنواجه أزمات تزداد سوءًا.

* هذا يعني أنه طالما ظل هذا النظام الثيوقراطي على رأس السلطة في إيران، سيستمر في إشعال الحروب الدينية؟

– هذه هويته. جاء برسالة واضحة تصدير آيديولوجيته. إن مهمة «الحرس الثوري» الاستمرار في نشر رؤية الخميني، وهي «ولاية الفقيه» عبر العالم. لا يوجد أجندة أخرى لهذا النظام. تصدير الثورة الدينية سبب وجوده الوحيد. البديل لذلك في إيران هو نظام سياسي قائم على ديمقراطية برلمانية علمانية، حيث الدين منفصل عن شؤون الدولة، لأنه من دون ذلك لا يمكن إقامة دولة تكون ديمقراطية أو حرة، ودولة لمصلحة كل الأطراف الدينية في إيران، ومساواة كاملة ما بين المرأة والرجل.. النظام الحالي خرق كل هذه الحقوق، وصارت المرأة مواطنة من الدرجة الثانية منذ اليوم الأول. هذا ليس المستقبل الذي يريده الإيرانيون، أو المرأة الإيرانية بالتحديد.

* لماذا على الرغم من كل ما تقول وتنشر وتكشف عما يجري داخل إيران، نرى أن الرئيس أوباما تواق ليساعد هذا النظام في إيران؟

– لا أستطيع أن أقرأ أفكار الرئيس، ولم تسنح لي الفرصة لأجلس معه، وأناقش الأمر، تفسيري قائم على ما أرى وأسمع وأتابع السياسة الخارجية لهذه الإدارة، ومن خلال البيانات المختلفة للإدارة، أظن أن الغلطة الكبرى برأيي هي الاعتقاد السائد في واشنطن بأن النظام سيغير من توجهاته المعروفة، عبر إجباره على الموافقة على بعض التغيير، هذا لن يدوم، لأنه منذ البداية، لو أن النظام يريد فعلاً حل هذه المشكلة (النووية) لفعل ذلك منذ زمن طويل. الرئيس الأميركي قد يفكر بإرثه فيما تبقى من حكمه، كما فعل من قبل الرئيس جيمي كارتر بالنسبة إلى إيران، وكنت هناك عندما زارنا الرئيس كارتر.

ما لفتني في سؤالك، هو أنه خلال كل هذه السنوات، طالما ذكرنا كارتر، فإن كل الإدارات الأميركية، من جمهورية أو ديمقراطية، من كارتر حتى أوباما، ما أراه مذهلاً أنه ما من وقت لم تكن هناك خيبة من السياسة الأميركية الخارجية، إن كان في أوروبا أو في العالم العربي أو حتى في إسرائيل. نلاحظ دائمًا أن الإدارات الأميركية تسير عكس آمال الشعوب. ما لم تكن الإدارة الحالية تفكر بأمر لا نعرفه، وإذا كان الهدف الوصول إلى الاستقرار، فهذه ليست الطريقة التي تقودنا إليه. ليس عبر إعطاء شرعية لنظام خدع العالم أكثر من مرة، بدل أن تقف إلى جانب الشعوب. الشعوب في المنطقة يمكنها أن تستفيد من تغيير في السياسة الخارجية الأميركية يبدأ في إيران، كما بدأ في إيران قبل 36 سنة، في الاتجاه الخاطئ.

لهذا أعتقد أن هناك حاجة لمحاولة إقناع الشعب الأميركي، والإدارة الأميركية الحالية، بما فيها الرئيس باراك أوباما بأن فرصًا كافية أعطيت لهذا النظام، وطالما أن هدف الاستقرار لم يتحقق، علينا أن نفكر بخيارات أخرى، وهذا كان يجب أن يبدأ منذ زمن، أي التغيير من الداخل، لأنني أعتقد أن ما تتمنى أغلب دول المنطقة أن يحدث، هو وضع نهاية لهذا الجنون، الإرهاب، التطرف، خطر الانتشار النووي، التدخل الإيراني في اليمن والعراق وسوريا ودول أخرى كثيرة، لأن الأهم هو مستقبل المنطقة، حيث يمكننا العيش كإخوة وأخوات، بدل أن نقتل بعضنا البعض كما يحدث الآن، ونتقاتل مذهبيًا شيعة وسنة، وهذا لم يكن مسموعًا به، قبل مجيء الخميني.

* لماذا حسب اعتقادك تتدخل إيران في اليمن، هل لتقديم المساعدات الإنسانية، أم لتطويق المملكة العربية السعودية، أم لأنها شعرت بأن الأميركيين قد يوافقون سرًا؟

– لا أعرف، ولا أستطيع أن أخمن ما جرى سرًا. لكن من الواضح.. أريد أن أسألك سؤالاً بسيطًا، تخيلي نفسك مواطنة إيرانية عادية داخل إيران، تعيشين في ظل مصاعب اقتصادية، حيث الفقر، والأمراض، والتلوث، والجفاف.. إلخ. آخر شيء يفكر به الناس هو حرب بالوكالة في المنطقة، ترضي غرور النظام.

أسألك، متى في السابق خرجت إيران أبعد من حدودها، كانت سياستنا قائمة على دعم الدول الأخرى في المنطقة، وليس إثارة الثورات أو الحركات ضد دول أخرى في المنطقة، كما حصل من الحوثيين ضد السعودية. إنها جزء من اللعبة الكبرى التي يلعبها النظام القائمة على تغذية العداوات، تمامًا مثلما يدعم بشار الأسد. بالمناسبة أكثر من نصف الأموال التي أعيدت إلى إيران بسبب المفاوضات حول برنامجها النووي، تم إرسالها إلى سوريا بدل صرفها على الشعب الإيراني، تمامًا كما يفعل النظام في العراق واليمن. كل هذا على حساب المصلحة القومية الإيرانية، أو مصلحة الشعب الإيراني.

للأسف، ومجددًا، فإن جزءًا من استراتيجية النظام بالنسبة إلى المنطقة، وقد يكون على حق، تقوم على أساس أنه باق، أطول من الإدارة الأميركية الحالية، وبمجرد أن تبدأ أميركا بالانسحاب من أفغانستان والعراق، عندها يستطيع النظام أن يحقق ما يريد.

* والمشكلة هنا أن البعض في الإدارة يعتقد أنه بهذه الطريقة، فإن الشرق الأوسط سيستقر؟

–  تعرفين، هناك وقت في الماضي كان الشرق الأوسط مستقرًا، وهناك وقت كانت القيادات في المنطقة تعرف القواسم المشتركة في المصالح. في زمن والدي، كان لإيران دور مميز في المنطقة بتوجهاتها المتوازنة، وكانت لها علاقات جيدة تقريبًا مع كل العالم بما فيه جيراننا، النظام السوفياتي والصين وإسرائيل والغرب وبالذات العالم العربي. كان التفكير مختلفًا زمن الرئيس أنور السادات. كان عالما مختلفا تمامًا. وفجأة جاء الخميني إلى إيران، وصار لدينا «ثورة إسلامية»، واستيقظ الناس في اليوم التالي يتساءلون عما حدث، وعندما بدأوا يحسبون العواقب، كان الوقت تأخر جدًا، وهكذا تغير وجه الشرق الأوسط. وبدأ الانهيار في لبنان، وغزا السوفيات أفغانستان كنتيجة لما حدث في إيران، وكل ما تبقى تاريخ.

ما أريد قوله إن العالم كان مختلفًا آنذاك، لم يكن هناك عداء أو كراهية، والقضية الوحيدة التي عانت منها أو واجهتها إيران كانت مع صدام حسين (الرئيس العراقي الأسبق) الذي تحدى إيران بالنسبة إلى مياه شط العرب، لكن المسألة حُلت دبلوماسيًا، ثم ما حصل في ظفار عندما حاول الماركسيون زعزعة الوضع في عُمان. هاتان كانتا الأزمتين اللتين واجهتهما إيران مع جيرانها، وكان لها علاقات متوازنة جدًا مع إسرائيل. ما أردت قوله، إن الشعب الإيراني يريد السلام، يريد علاقات جيدة مع جيرانه، لقد تعب من كل هذه الاستفزازات التي تختبئ تحت ستار الوطنية.

الشعب الإيراني يريد مستقبلاً أفضل، يريد أن يعيش حياته، يفكر بالزواج والأطفال مثل كل شعوب العالم. لا يريد أن يتورط بصراعات إقليمية، أو بنوع من الإمبريالية الجديدة التي يتطلع إليها النظام الإيراني التوسعي. الشعب لا يريد كل هذا. والبرهان على ذلك، ما جرى في الحرب العراقية – الإيرانية، كنت أراقب الوضع حيث عندما استعادت إيران الأراضي التي كان احتلها الجيش العراقي، توقفت على حدودها، لم ترغب إلا في حماية حدودها. ولهذا السبب أراد الخميني مواصلة الحرب لأن تكلفتها آنذاك كانت أرخص، وهذا إثبات على أن أهداف النظام لا علاقة لها بتطلعات الناس.

* كيف ترى بروز «داعش»، وقد أشرت أنت إلى أن النظام الإيراني يتحمل جزءًا من المسؤولية، خصوصًا أن الحرب عندما بدأت في سوريا لم يكن هناك «دولة إسلامية»؟

– بكل تأكيد، هناك لوم يتحمله النظام الإيراني كونه أعطى مجالاً لبروز التطرف الشيعي والسني، لأن فلسفة الراديكالية واحدة. في نهاية المطاف هناك نقاط مشتركة بين المتطرفين، لأن حربهم هي ضد القيم الغربية والديمقراطية وشرعية حقوق الإنسان. هناك أهداف مشتركة، ومهما اختلف منظور أي طرف، يبقى الاثنان شريكين في الجريمة. المظهر: صراع، لكن هل تظنين أنه يمكن الاعتماد على النظام الإيراني كي يكون حليفًا للغرب في الحرب على «داعش»، التنظيم المتطرف الآخر؟ الاثنان يخوضان حرب كراهية ضد الغرب وهذه أهم لهما من الصراع مع تنظيم متطرف آخر.

السؤال مهم وكلنا يجب أن نسأل أنفسنا، خصوصًا عندما أسمع جزءًا من النقاش بأن النظام الإيراني يمكن أن يكون حليفًا لضرب «داعش» أضرب رأسي بالحائط، كيف يمكنهم أن يفكروا هكذا، هذا غير صحيح، التطرف واحد وهدفه واحد.

* هل ترى سقوطًا مفاجئًا للنظام السوري؟

– إذا تابعت مشاعري، أقول إن الوضع في إيران يمكن أن يتغير عبر صفقة كبرى يجريها الغرب مع الروس، بمعنى إعطاء الروس بما يرغبون به، وعدم دفع الحلف الأطلسي إلى بابهم، وإعطائهم منفذًا على المياه الدافئة، عندها تتخلى روسيا عن دمشق وطهران. هذه باعتقادي الصفقة المفتاح، لأنه على المدى الطويل فإن المصالح الروسية مع العالم الغربي، وعلى المدى القصير فإن روسيا تستغل الوضع الحالي، لكن الرئيس فلاديمير بوتين كالجالس الذي يقول للغرب: اعرض علي صفقة لا أستطيع رفضها.

ضمن هذا السياق، فإن سقوط النظام السوري لن يتحقق على أيدي الشعب، إلا إذا حدث تغيير كبير في التحالفات. القصة تبدأ في إيران، إذا حصل تغيير هناك سيكون له تأثير فوري على الوضعين في سوريا والعراق. بعد قولي هذا، أشير إلى أن الأحداث عندها ستقرر وسائل التغيير في سوريا، لكنني لا أعتقد أن البديل سيكون إسقاط نظام قمعي من دون الاعتراف بأن العالم تغير والشعوب لم تعد تقبل بالقمع. وفي اعتقادي ما سوف يحدث في إيران، سيحدث في سوريا، وليس العكس.

* البعض في أميركا يقول إن إيران مع اتفاق نووي ستكون أقل خطرًا مما هي عليه اليوم؟

– إذا سمحت إيران بالتحقيق، والتفتيش، والدخول غير المشروط للمحققين في اللحظة التي يريدونها، وإلى المنشأة التي يختارونها، إذا كان هذا مضمونًا، إضافة إلى أن يكف العالم، عن القول إن كل مشكلتنا مع إيران هي البرنامج النووي، في ظل هذه الظروف إذا تم التوصل إلى اتفاقية تؤدي إلى شفافية كاملة، عندها أوافق. لكن في ظل هذا النظام وما يضع من شروط، لا أرى هذا واردًا. لنر ما سيحدث خلال الشهر المقبل، لكن لا يمكن وضع كل البيض في سلة واحدة ويجب ألا يحبس العالم أنفاسه، ويجب علينا أن نبدأ التفكير بالبدائل من الآن ونعود إلى سؤال سابق: من الآن وحتى نتأكد من أن النظام التزم، هل على بقية الدول، خصوصًا في المنطقة، أن تجلس وتنتظر؟ حتى نتجنب الحرب، يجب مساعدة الشعب الإيراني على تغيير النظام.

* إذا تم التوقيع على الاتفاق ولم تلتزم إيران، هل ترى سباق تسلح نووي في المنطقة؟

– هذا ما يقلقني، إذا لم يكن قد بدأ، لأنه إذا لم تلتزم إيران، لا أرى سببًا يمنع هذه الدول من الحصول على برنامجها النووي، وهذا سيضع نهاية للحد من مفهوم انتشار الأسلحة النووية. ولهذا، قبل أن يفوت الوقت فإن تغييرًا كاملاً للنظام في إيران ينقذ المنطقة من انتشار الأسلحة النووية.

كان على إيران بدل إنفاق المليارات على أسلحة «يوم القيامة»، أن تنفقها على الشعب الإيراني من أجل مستقبل أفضل.

* قال الجنرال علي جعفري قائد «الحرس الثوري»، إن إيران لا تهمها حرب مع أميركا، فالأخيرة ضعيفة جدًا ولا تجرؤ على مهاجمة إيران. هل تعتقد أن النظام الإيراني يتحمل حربًا مع أميركا، أم أنه إذا وقعت هذه الحرب ستتسبب بنهاية هذا النظام؟

– أولاً، من الحماقة أن تعتقد أي دولة أنها قادرة على تحدي القوة العسكرية الأميركية. خصوصًا في حالة إيران. إنها مجرد بروباغندا. ورأينا حالة الرعب التي أصابت النظام عام 2009 ولم يكن هناك أي خطر عسكري خارجي. كان النظام يرتجف من حركة الشعب. تصوري ما ستكون عليه حالة هذا النظام لو أن أميركا كانت جدية في التحرك عسكريًا ضده. صحيح هذا ليس بحل. لكن هذا أسخف تصريح سمعته. إنها البلاغة النموذجية للأنظمة التوتاليتارية. تريد إبعاد اللوم، وتحميل مسؤولية مآسي الشعب لطرف خارجي. لننظر إلى كوبا، لقد ظل فيدل كاسترو لعقود يحمّل مقاطعة العالم لكوبا مسؤولية مآسي الشعب الكوبي. والنظام الإيراني يلعب لعبة تحميل الملامة بقوله: إننا نقف في وجه الأميركيين، لهذا فرضوا علينا المقاطعة. النظام يتهرب من مسؤولية سوء إدارته ومغامراته. ماذا يمكنه أن يقول، هل تعتقدين أن نظامًا كان يدعو بالموت لأميركا بعد صلاة كل جمعة، سيقول فجأة: كلا، نحن أصدقاء مع أميركا!

* لكن، لنفترض أن الجنرال جعفري يريد الحرب، هل تعتقد بأنها ستكون نهاية النظام؟

– إذا تحرشوا وحصل هجوم، يمكن أن يزعزع النظام. لكن المشكلة أنه يجب أن نفكر بالفوضى التي ستمنع التفكير بفترة انتقالية محسوبة. قد تخرج الأمور عن السيطرة. علينا أن نتحكم بالنتائج، لا أن ننتهي بنوع من قوات محتلة تؤدي إلى نظام ألعوبة لفترة من دون معرفة ما سيسفر عنه، وحتمًا لن يكون ما يريده الشعب.

* من خلال أجوبتك، يمكنني القول إنك لا تعتقد أن البرنامج النووي الإيراني كان سلميًا، أو أن هناك احتمالاً بتوقيع الاتفاق مع النظام. لكن بعض المراقبين يقول إنه بعد التوقيع ستكون النهاية المعنوية للرئيس حسن روحاني، ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، لأن خامنئي سيحتاج إلى مساعدة المتشددين ليحمي نظامه؟

– نعم، هذا ما سيحدث لأن خامنئي طالما أنه حي سيحمي نظامه وسيعتمد على هذا النوع من الناس. لكن العناصر المعتدلة بدورها تخدم أيضا لبقاء هذا النظام.

* هل تعتبر روحاني وظريف من المعتدلين؟

– كل من يخدم مصالح هذا النظام أعتبره تابعًا له. لا يوجد ما يسمى بأقل شيوعية من الآخر. بماذا يختلفان عن محمود أحمدي نجاد، فالكل في النهاية يخدمون هذا النظام، ومن يهتم إذا كانوا أكثر اعتدالاً، إنهم كلهم جزء من هذا النظام.

* يعني، بعد الاتفاق فإن النظام يتجه في طريق صعب؟

– سيواجه تحديات جديدة، كما قلت إذا استمرت الضغوط ولا يقول كل طرف: الآن وقد انتهت المشكلة النووية لننس ما يفعله النظام! مثل دعمه للإرهاب. لأنه إذا رفعت العقوبات جزئيًا، هل سينفق النظام المال على الشعب أو على تصدير الثورة وعلى وكلائه. كل هذا يعتمد على التدقيق وعلى عدم سذاجة العالم.

* بعد خامنئي ماذا ترى؟

– طبيعة النظام الثيوقراطي لن تتغير، طالما يطلق على نفسه: الجمهورية الإسلامية الإيرانية. لكن من سيأتي بعد خامنئي سيواجه صعوبات أكثر، لكن هذا لا يعتبر تغييرًا، إلا إذا تغير الدستور، وآلية مجلس صيانة الدستور، وهذا يعني إلغاء صفة الجمهورية الإسلامية، وتغيير النظام.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *